الجمعة، 2 ديسمبر 2011

وأجابني1: لن ينال العلا من طبعه الكذب

لن ينال العلا من طبعه الكذب!

سألت ذات مرة أيهما أصدق في واقع الحياة:
لن ينال العلا من طبعه الغضب أم لن ينال العلا من طبعه الكذب؟
فأجبتني (ب): " لن ينالها كاذب؛ لأن دفعة من غضب كفيلة بصاحبها أن يحظى بخطوة تقدم"
وقالت لي (أ): "قد يكون الغضب أمر يصعب التخلص منه نهائيا، لكن الكذب أمره يختلف، وأنا أرى أنه لن ينال العلا من طبعه الكذب؛ لأن الكاذب يكذب على نفسه قبل أن يكذب على غيره، فهو بكذبه لن يصعد للعلا.."
بينما رأت (ح):"أن الحكمتين صحيحتين، ولكني أرى أن الثانية أصوب، فالغضب يمكن أن يسيطر عليه صاحبه ويغير من نفسه ويتعلم التحكم بالذات، وبرغم من صفته فالناس تتقبله لحين تغيره، لكن الكذب طبع يجعل من حولك ينبذونك، ولن يصدقوا ما تقوله ولذا لن تجد من سيساعد كاذبا ليصل إلى العلا"
  وكذلك وافقتها (ر) و(إ) التي أيدت رأيها بقولها: "الحكمتان صحيحتان فالحياة مليئة بالقرارات ويقال:" لا تتخذ قرارًا وأنت غاضب" وأيضا يقال "حبل الكذب قصير" فمن كشف كذبه خسر الناس وبذلك خسر أن يرى نفسه بالغ العلا"
 وبوضوح ردت علي (ن):" بصراحة الصفتان يمكن أن يحولا دون الوصول للعلا، وأنا أكرة صفة الكذب لأنها تسقط هيبة الإنسان"
بينما أجابتني (ش) و(ف) بصورة حاسمة: لن ينال العلا من طبعه الكذب!
وقالت لي (هـ) بتردد:" السؤال صعب.. ربما لن ينال العلا من طبعه الغضب.. واخترت الغضب لأنه ربما يؤدي إلى الكذب.. والله أعلم وتبقى وجهات نظر"
فقلت لها: " لم يخطر بفكري لحظة أن الغضب يؤدي إلى الكذب، إذ يبدو لي أن مواضع الغضب المحمود عديدة ومبررة، وحتى بالنظر إلى أن الغضب السلبي هو المقصود في هذا البيت، يبقى الإطلاق وحده ينطق على الكذب! قد يكون الشخص مجيدًا لضبط أعصابه لكنه يقول حلو الكلام وهو عكس ما يبطن ويكتم! أليس هذا كذبا على النفس وعلى الآخرين، وارتداء لعباءة رقي زائف؟!
وقد يغضب المرء لإهمال وانتهاك حق لكنه لا يكذب، فإبداء الغضب صدق للتعبير عن ر فض النفس لفعل مخز!.."
فأجابتني: "وجهة نظرك صائبة تماما، أضم صوتي لصوتك"
إذا ما سألتني ـ أيها القارئ ـ عن سرِّ هذا السؤال سأقول لك:" لأنني أتعجب من الناس الذين يظهرون عكس ما يبطنون، وأنزعج من المرء تسأله عن أمر فيجيبك بما يظن أنك تود سماعه منه بغض النظر عن صدق رأيه وعن نتيجة كلمته تلك، خاصة عندما يتعلق الأمر بعمل يمس حقوق آخرين ومسؤولية لا تتحمل المجاملات وزخرف الكلام وحلوه.. إنما تحتاج الصدق والوضوح لبلوغ هدف وتحقيق إنجاز.. أتعجب من المرء يظهر نفسه راقيا أمام الآخرين بالصمت أو بالكلام الجميل ـ الذي لا يغني ولا يسمن من جوع ـ ونفسه تموج بالتحامل والحقد أو اللامبالاة وانعدام الإحساس بالمسؤولية والخطأ والتقصير وغيرها من الأمور مما أسميه كذبا على النفس والآخرين لعدم القدرة على التعبير عن ذاته ورأيه بمصداقية حقيقية.. يظهر أمثال هؤلاء على أنهم الواثقون الهادئون وحقيقة الأمر أنهم يكذبون على أنفسهم وعلى غيرهم بإخفائهم التفاصيل الواقعية التي لا يظهرونها حتى تبقى صورتهم مشرقة، وبعدم قدرتهم على الاعتراف بالخطأ وتصحيحه ببساطة ومسؤولية واتقان، فيغلفونه بأي كلام أو علة مهما بدت ساذجة أو يعترفون بذلك دون إحساس حقيقي بالخطأ أو لمجرد القول، ثم ينصرفون عن تجنبه مرة أخرى والحرص على عدم تكراره رغم ما يحققه ذلك من تطوير لشخصيتهم ورفعة لهم لشجاعتهم على الاعتراف أمام الذات أولا والآخرين ثانيا، مما يعني قبولهم لذاتهم وتوافقهم معها وإدراكهم لنقاط قوتهم وضعفهم بدل تجاهلها والتغاضي عنها على نحو مستفز أحيانا.. "

وفي خضم تفكيري وبحثي حول هذا الأمر وجدت هذه العبارة في أحد المواقع، وقد فسرت لي ما بت أظنه بأمثال هؤلاء المجاملين أو المتراقين زيفا: "الحقيقة أن مسألة عدم قبول الذات تؤدي بشكل مباشر إلى الكذب؛ لأن الكاذب يريد أن يصور لنفسه وللآخرين ما هو غير الحقيقة والضليع في الكذب يصدق كذبه ويعيش داخله ويفعله بتلقائية لا يبذل فيها أي مجهود، وإذا حضرت مع هذا الشخص موقفا ثم حضرت شرحه لهذا الموقف لشخص آخر لصدمت من كذبه الذي ليس له أي سبب منطقي إلا أنه اعتاده ولا يفعله إلا ليهرب به من واقعه".

 الكذب كم بت أمقته مقتا وأسأل ربي أن يعافيني منه ويلزمني الصدق النقي، وأعني بالكذب هنا ما بينته فيما سبق وهو أن يقول المرء عكس ما يكتم بإصرار ليس له داعٍ غير أن يرسم عن نفسه صورة باهرة أمام الآخرين.. ويشوه صورة أناس آخرين!!!!
عدم القدرة على الصدق مع الذات والاعتراف بقدراتها مهما بدت بسيطة دافع قوي للكذب، وعدم الرضى عنها أيضا دافع قوي آخر.. الغضب له مبرراته غالبا ولكن لا مبررات للكذب إلا فيما ندر.. لذا مهما نجح المجاملون وأصحاب الكلام المعسول في رسم لوحاتهم سيأتي يوم تنكشف فيه المعادن وتسقط الأقنعة، ويتضح للجميع من كان صادقا مخلصا ومن غير هذا..
وسألت فيما سألت: ما أهم صفة ترى أنها يجب أن تكون في الصديق الذي تختاره؟ فكانت أغلب الإجابات تتصدرها صفة الصدق، وكذا الأمانة وتحمل المسؤولية والقدرة على فهم ذات الأصدقاء..
الصدق كم غدا عملة نادرة.. وكم بتنا نخشاه في تعاملنا في مختلف المجالات، نخشى أن نقول هذا خطأ وهذا صواب، نخشى أن نعامل الآخر بمصداقية واحترام لذاته حتى لو خالفنا رأيه بعنف وقسوة...
كن كاذبا لتعيش بسعادة.. مجاملا.. منافقا.. بدل أن تقف وقفة صدق تمايز من خلالها الخطأ عن الصواب!!!..
قل للآخرين ما تظن أنهم يودون سماعه.. امدحهم، اثني عليهم وزين لهم أعمالهم حتى لو كانت خاطئة أو قاصرة، وانسب لهم كل مجد هم ليسوا بصانعيه.. وتحاملا ادعي أن كل صريح وواضح وصاحب منهج وهدف إذا ما غضب لإهمال وتقاعس، أن ذلك لنقص في شخصيته ناسيا أنك لا تستطيع نبذ المجاملات وقت العمل الجاد، والتركيز على العمل بطريقة عملية ذكية تختصر الوقت والجهد لنقص في خبرتك ومصداقيتك مع ذاتك أولا ومع من تتعامل معه.. وهو يظن فيك نعم المرشد فإذا بك ممن يحدث أخاه حديثا هو له مصدق وأنت له كاااذب!!!!
ويضيع الإتقان والتميز بسبب انعدام مصداقيتك... الواثق من نفسه لا يخشى الاعتراف بخطئه وتصحيحه ولو جهارا، والمخلص في عمله لا يحتاج أن يزيف تفاصيل منهجه ولا يهرب من حقيقة ما قام به بأعذار واهية..
هل هو أمر صعب أن تقول للمرء بوضوح: عملك جيد لكن انتبه لكذا وكذا.. بدل أن تأتي من خلفه فتصفه بالاستعلاء والتحامل وأنت تجهل تفاصيل الأحداث وبدايتها وما اعتراها من إهمال متعمد!!
كلااام كثير.. خلاصته هل هو أمر صعب أن تكون صادقا مع نفسك والآخرين، بعيدا في نظرتك للأمور مجددا في فكرتك وطريقة عملك بما يحقق المصلحة العامة لمن حولك ولو كانت على حساب ذات هي مهملة في عملها أصلا.. لأنك تعمل لأجل الجماعة وباسمها وليس ليقال فلان قام بكذا وفلان قام بكذا وإنما ليعلم من تابع ورأى بأن فلان في صفة الجمع وليس الفرد أي جماعة قاموا بكذا وكذا...كم يغدو الأمر مضحكا ومريرا أن ينسب المرء لنفسه إنجازا قام به غيره دون أن يمتلك مصداقية أن يقول لست من قام بذلك.. لمجرد أنه اعتاد أن يظهر نفسه متابعا وراقيا وعاملا بتفان.. والأدهى أن يعتقد في نفسه ذلك وهو فعلا ليس كذلك...

أطلت الحديث.. لكن أنتم ما رأيكم؟.. ما هو الصدق؟ ما هو الكذب؟ ما مفهومكم له؟ ما منهجكم في التعامل معه؟.. لعلي أخطأت في شيء مما سبق فأستفيد منكم!!!!

ليست هناك تعليقات: