السبت، 21 يناير 2012

طبيب الأسنان.. قصة

( طبيب الأسنان)


توقفت تلك السيارة الصغيرة أمام أحد المستشفيات في المدينة، وخرجت منها امرأة دارت حول مقدمة السيارة لتفتح الباب الآخر لها، فخرج طفل صغير فاضت عيناه دموعاً سالت على خده، فقالت أمه وهي تحمله بين ذراعيها في محاولة للتخفيف عنه: لا تبكِ يا صغيري كل شيء سيسير على ما يرام  ـ إن شاء الله ـ هيا لا تبكِ .
ثم مسحت دمعه برفق ومضت تشق طريقها إلى البوابة الرئيسية للمستشفى، فتمضي في طريق مستقيم ثم إلى اليسار، وبعدها تتوقف أمام قسم وضعت على بابه لافتة صغيرة كتب عليها بخط أنيق "طبيب الأسنان" لم يكد الطفل يراها حتى انفجر باكياً وهو يقول بصوت متقطع: أنا ..لا.. لا.. أريد..الذ.. الذهاب.. إلى.. طبيب..الأس..الأسنان..أمي لا..أريد.."
ربتت على شعره بلطف وقالت: لا تبكِ لن تشعر بألم.. اطمئن.
وكأنما تلك الكلمات الهامسة أبعدت عنه ذلك الخوف، إلا أن دموعه ملأت عينيه.. وتساقطت على خده..
دخلت الأم القسم وجلست على أحد الكراسي منتظرة دور ابنها، بينما دفن هو وجهه في صدر أمه، إلى أن سمع صوت الممرضة وهو ينادي باسمه، فنظرت إليه مشجعة، ومدت يدها لتمسح الدمعة إلي أعلنت الخوف، ثم وقف وحملته إلى الداخل..
وهناك!
رأى الطفل وجه الطبيب و.. انفجر باكيا على نحو أدهش الطبيب وجعله ينظر إليه بحيرة قبل أن يقول مداعبا: وهل أنا مخيف جداً؟
قالت ألام بسرعة محاولة شرح الموقف: أنا آسفة لكنه يخاف من طبيب الأسنان.
هز الطبيب رأسه معلناً الفهم، وربت على الطفل وقال: ولم الخوف.. تعال إليّ ..هيا.
رفع الطفل رأسه نحو الطيب وأمسك ملابس أمه بقوة كأنما يعلن الرفض لعرض الطبيب، ثم أخذ يتأمله.. كان متوسط القامة ن أسود الشعر، أبيض البشرة.. وكما يتخيل الطبيب دائماً، يرتدي نظارة صغيرة، ويزين ملابسه ذلك الرداء الأبيض الذي يميز كل طبيب..
ابتسم الطبيب من جديد وقال بلطف: لا داعي للخوف..تعال اجلس هنا على الكرسي..هيا يا صغيري.
وضعت الأم طفلها على الكرسي وقالت له مشجعة:حسناً أغمض عينيك ولا تبكِ.
نظر الطفل إليها ثم إلى الطبيب ثم إليها فاغمض عينيه وبدا عليه الهدوء..فذهب الطبيب إلى ركن الغرفة لإحضار شيءٍ ما عندما سمع الطفل يترجى أمه: أمي أنا لا أريد هذا... أرجوك أريد العودة إلى البيت...
قالت الأم بهدوء: لكنك ستتألم منها، وإن لم تقتلعها الآن ستؤلمك أكثر، والطبيب لطيف ولن يؤذيك.
وهنا هتف الطفل بصوتٍ عالٍ: هذا غير صحيح...وأخذ يبكي من جديد..
قالت ألام معتذرة: أنا آسفة.. أعذره إنه صغير.
أجابها الطبيب: لا عليك الأطفال يخافون من طبيب الأسنان والإبر وغيرها...
ثم مدّ يده إلى الطفل وقال: هيا لا تبكِ..افتح فمك.
هتف الطفل باكياً:لا أريد...
وهنا نظر الطبيب إلى الأم وقال: يبدو أننا لن ننتهي منه اليوم أبدا.
و...
"مساء الخير يا خالد"
قطعت هذه العبارة أفكار الطبيب الذي نظر إلى مصدر الصوت وقال: مساء الخير يا مازن.
جلس مازن بمرح على الكرسي المجاور لزميله وسأل: إلى أين وصلت بشرودك؟
ضحك خالد وقال: كنت أتذكر نفسي عندما كنت طفلاً صغير.. كنت أخاف من طبيب الأسنان..
ابتسم مازن وقال: نعم أخبرتني عن تلك القصة، لكن السنين مضت وأصبحت طبيب.. طبيب أسنان..
قام خالد متجاهلاً ضحكات زميله متجهاً نحو الباب وهو يهتف: اسخر كما تشاء لن أبالي.
تبعه مازن وقال مبتسماً: آسف لا أقصد السخرية.. لكنني..
ولم يستطع إكمال عبارته فضحك وهو يحاول اللحاق بخالد خارج مكتبه، وعندما صار بجانبه قال:
آسف .. لكن رغم خوفك من طبيب الأسنان، صرت طبيب أسنان، عجيبة هي تقلبات الدهر..
نظر خالد إلى مازن الذي لم يستطع منع الابتسامة الواسعة على شفتيه وقال: إذا كنت تحسبني جباناً في صغري.. فلقد كنت أشد مني في هذا.
ثم أردف بخبث: أليس كذلك؟..
أشاح مازن بوجهه بغيظ وتمتم: حسنا فليكن..
ابتسم خالد فضحك، وجذب زميله من يده وهو يهتف: حسناً لا تغضب..أنا آسف.
ثم سارا يقطعان ممرات المستشفى الذي يعملان فيه، معلنان انتهاء ذلك اليوم بالنسبة لهما، وللغد يوم آخر يتكرر فيه صراخ الأطفال خوفًا من الطبيب.. طبيب الأسنان..

تمت





ليست هناك تعليقات: