السبت، 21 يناير 2012

قصة للأطفال.. برتقالة العيد

( برتقالة العيد )



هناك.. في عالمنا لم تكن في السماء نجوم، إذ أن الغيم أخفاها..
وهناك.. في عالم بعيد، عقد اجتماع غريب.. حيث اجتمعت نجوم تلك الأرض في ليلة العيد..
وفي قصر مشيد شامخ وسعيد، أخذت النجوم تلهو وتمرح، وتتأمل البرتقالة التي تحملها بحرص شديد، وتترقب موعد إهدائها إلى نجم من قلبها قريب..
تألقت بسمة  (نجم ـ 702 ) وهو يحي الضيوف، وعلى شرفة القصر لمح نجمة صغيرة تراقب السماء في شغف بدا في عينيها..
" (نجم ـ 702).. أنت هنا يا عزيزي"
قالتها (نجمة ـ 701) وهي تدنو منه مبتسمة، فقال معاتبا: لقد تأخرت يا زوجتي العزيزة، هل قابلت جميع الضيوف؟
ـ لا.. ليس بعد..ها لماذا تبدو شاردا، من ترى على الشرفة؟
ـ هل تعرفين تلك النجمة الصغيرة.. تبدو وحيدة حزينة..
التفتت ناحية النجمة التي أخذت تتأمل برتقالتها بحزن وأجابت: لا..ولا أدري ما بها!
جالت عيني (نجم ـ 702) في القاعة بحثاً عن نجم ما فسألته (نجمة ـ 701) بحيرة: عمن تبحث؟
أجاب بقلق: لست أرى (نجم ـ 505) .. ألن يأتي.. آه لست أدري ما حل به.داعب برتقالته ثم أردف بعزم: حسنا سأذهب للبحث عنه.. سأعود سريعا.
وغادر وهو لا يعلم أن (نجم ـ 505) يجلس على صخرة قرب مزرعته ونفسه تموج بالحزن والأسى .. ولكن ما سبب حزن نجم صغير في ليلة العيد؟
حدث نفسه وعيناه اللتان تدفق إليهما الدمع تتأملان برتقالة صغيرة في يده: لمن سأهديك في هذه الليلة لمن.. لقد جرت العادة في عالمنا على أن نهدي أفضل برتقالة في مزرعتنا إلى من  نحب.. والجميع سيهدي برتقالته في  ليلة العيد لأخته، أو أمه، أو أبيه، أو حتى لأخيه أو زوجته، سيهديها لابنته أو صاحبه .. أي نجم يحبه.. ولكني وحيد، لقد نضبت طاقة والدي منذ سنين، وليس لي أهل ولا أصحاب، لا أحب مخالفة العادات والتقاليد.. ولكن أخبريني.. لمن سأهديكِ..
كادت الدموع تسيل من عينيه لولا صوت (نجم ـ 702) اللاهث يقول: (نجم ـ 505) أنت هنا، لِمَ لَمْ تأتِ إلى حفلة العيد حتى الآن؟.. تعبت وأنا أبحث عنك، آه تبكي.. لماذا ما مشكلتك يا صديقي؟ 
حمل (نجم ـ 505) برتقالته وهمس: لا.. ربما لن آتى.. فأنا.. أنا لا أجد من أهديه هذه البرتقالة..
 كان حزينا جداً لكن (نجم ـ 702) استطاع إقناع (نجم ـ 505) بتأجيل هذا القول، فربما سيجد في الحفلة من سيهديه البرتقالة، وبعبارات مشجعة متعاطفة أخرجه من حزنه وبث فيه الأمل.
سارا إلى القصر، ودلف إليه (نجم ـ 505) بتردد وارتباك، فهو لا يكاد يعرف أحداً فيه، ومشكلة البرتقالة تقلقه بشدة..
وبعد وقفة حائرة بين النجوم الضاحكة قرر الذهاب إلى الشرفة لعله يجد ما يسكنه قليلاً، ويجد في قلبه نجماً يهديه البرتقالة..
وهناك.. رآها.. كانت نجمة رقيقة، شاركها مراقبة السماء بصمت.. قطعه بعد برهة حين قال: اسمي (نجم ـ 505) .
قالت بخفوت: أنا (نجمة ـ 507).
ـ آه..حسناً هل قررت لمن ستهدين برتقالة العيد؟..
نظرت إليه وهزت رأسها مجيبة: لا.. أحس إنني غريبة عنهم، ليس لي أهل، فلا أجد نجما أحترمه وأحبه لأهديه برتقالتي..
ـ آه.. إذن نحن في ذات الورطة، هذا يواسيني فأنا أيضاً لا أجد من أكن له مشاعر المحبة الصادقة لأهديه برتقالتي، أنت تعلمين إنه لا تقبل هدايانا إلا إذا أهديت لمن نحب بصدق..
عادت تراقب النجوم وقالت: صحيح .. إذا لم نفعل خالفنا العادات والتقاليد السائدة مما يوجب العقاب الشديد.. لقد عملت طويلاً لأحصد أفضل ثمرة برتقال فأهديها إلى أبي، لكن طاقته نضبت وأفل.. والآن لا أدري ماذا سأفعل..
عادا للصمت .. ولكننا ندرك من خفقان قلبيهما مدى القلق العارم والذي بدا واضحا في صوت (نجم ـ505): آه.. الجميع في الداخل يمرحون ويترقبون موعد الإهداء بفارغ الصبر. ثم أردف بحسرة: ونحن هنا.. أنا أحب وطني ولا أود مخالفة عاداته، ولكن يبدو إنني سأضطر لاحتمال العقوبة..
شاركته حزنه وإن قالت باعتزاز: وأنا أيضاً أحب وطني ولا أود مخالفة تقاليده و..
وهنا خفق قلبهما بشدة وسرت رعشة باردة في جسمهما، فقد كان شيخ النجوم يعلن عن بداية مراسيم الإهداء، فارتفعت صيحات السعادة بين النجوم، وبلغ القلق ذروته في نفس(نجم ـ 505) و(نجمة ـ 507)..
وقفا في آخر الصف، وجميع النجوم تمسك برتقالتها بحماس ولهفة تنتظر دورها، وتقدم نجم تلو نجم إلى منصة شيخ النجوم فيعرف بنفسه ويردد: أود أن أهدي برتقالة العيد إلى أحب نجم إلى قلبي.. أمي، فتلتهب الأكف بالتصفيق، ويتقدم آخر ليهدي لأخيه أو ابنته..
وحان دورهما..
وقف (نجم ـ505) مترددًا أمام شيخ النجوم والصمت يسود القاعة، فسأله شيخ النجوم: ما بك يا (نجم ـ 505) ؟!
رفع النجم الصغير عينيه فاصطدم بنظرة مشجعة من عيني (نجم ـ 702) مما جعله يتمتم بخفوت: في الواقع.. أنا.. أعني .. لم أحدد نجماً أهديه برتقالتي.. ذك أني..
هتف شيخ النجوم بغضب: ماذا ؟ هل تعلم عقوبة صنيعك هذا؟
ارتجفت (نجمةـ 505) لعبارته، وهمس (نجم ـ 505) بخفوت خائف: نعم.. ولكني بالفعل لا أجد في نفسي من أحب بصدق غير والدي و..
وقفزت إلى مخيلته عبارة استعاد معها جرأته وشجاعته.. وتألقت عيناه وهو يهتف: حسناً.. أريد أن أهدي برتقالتي إلى.. إلى وطني الحبيب..
وفجرت عبارته موجه من الذهول، الاستنكار، الهمس، فاندفعت (نجمةـ507) هاتفة: وأنا أيضاً أحب أن أهدي برتقالتي إلى وطني الحبيب..
جعلت عبارتها أحد النجوم البارزة في المجتمع تهتف باستنكار: ما هذا!.هذا يخالف القانون..
قال (نجم ـ 505) وهو مطرق: ربما .. ولكني نشأت فيه وترعرعت فيه.. أحبه.. نعم. أكثر من أي  أنجم آخر.. ومن كان يمتلك مثل هذا الشعور فليهدي برتقالة العيد إلى وطنه، هيا لنزرع هذه الأرض أشجاراً غناء، لنجعلها خضراء .. خضراء.
وأعجب من أعجب بحديثه، وشاركه الجميع في إهدائه هذا..
وهناك التقت يد(نجم ـ 505) بيد (نجمة ـ 507) وتبسما فرحا حين أمسك شيخ النـجوم (نجم ـ 506) وقال: حسنا.. لستما وحيدين بعد اليوم، سأظل معكما دوما يا صغيري.
والتهبت القاعة بتصفيق حار، وهنا شعر (نجم ـ505) و(نجمة ـ 507) بشعور عجيب مع (نجم ـ 506).. بالأمان والحنان..
نعم كانت هذه قصة ثلاث نجوم نراها دوماً متتابعة في السماء تتألق بنور وضاء.. جمعت بينها محبة برتقالة العيد.

تمت


ليست هناك تعليقات: