‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقال. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 2 أغسطس 2013

احترم جرح الآخر!


 احترم جرح الآخر..
 
 

في شعر لكريم العراقي لفت انتباهي دعوة لطيفة لقيمة جليلة في قوله "امسح دموعك واحترم أحزاني"، أن تحترم أحزان الآخر.. لحظات ضعفه.. لحظات انكساره.. في مثل هذه المواقف تبرز كرامة الإنسان في داخلك، عندما تنهى نفسك عن استغلال هذه اللحظات بالسخرية منه والشماتة به.. بل حتى عندما تنهى نفسك وتنقي فكرك من مجرد التفكير بأنه شخص ضعيف أو مستحق للشفقة..!

أناس متجردة من الأخلاق تماما تلك التي لا تحترم ألمك وتسعى لمساندتك في لحظة سقوطك! وأشد منهم تجردا أولئك اللذين يظهرون لك التفهم والمؤازرة أمامك ومن خلفك يتشفون بإرسال عبارة خادشة لجرحك للعالم بأسرة عبر وسائل الاتصال! عند تلك اللحظة تعرف معنى "وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا" لأن اللئيم وحده ينسى ما بذلته لإكرامه والتكتم على عثراته.. بل وأفعاله المخجلة!
هل هو أمر صعب أن تحترم وتسكت؟ هل هو أمر يحتاج "طاقة فوق بشرية" حتى يأتي المرء بأعذار "فوق واهية" ليبرر أفعاله وقلة مروءته!

السبت، 27 يوليو 2013

ظاء أم ضاد؟


حدث ذات مرة في مناقشة من مناقشات خطط رسائل الدراسات العليا بقسمنا قسم اللغة العربية وآدابها، أن خطأ أحد الأساتذة الطالب المناقش في كتابته لكلمة (متضافرة) بالظاء (متظافرة) لا بالضاد مبينا أن الصواب هو كتابتها بالضاد، في تلك اللحظة تذكرت أستاذ اللسانيات ـ الذي أرهقناه ببحوثنا المغمورة بالأخطاء الإملائية قبل المنهجية والعلمية! ـ حين صحح لأحد الطلبة كتابته لكلمة (متضافرة) بالظاء معلقا باستغراب أنكم أهل عمان تشيع عندكم هذه الكتابة الخاطئة (متظافرة) والصواب (متضافرة).
اهتزت هذه المعلومة الجديدة فور أن صرح أحد الأساتذة الأفاضل في المناقشة بأنه سبق أن حقق في طريقة كتابة هذه الكلمة وأن كتابتها (متضافرة) بالضاد أو (متظافرة) بالظاء صحيحة بشهادة المعاجم! وسارع أحد الأساتذة المغاربة بتأكيد هذا الأمر، وهذا يعني أن لغتنا الثرية تسمح لك باستخدام حرفين متقاربين لكتابة كلمة واحدة بالمعنى نفسه، وهي اللغة نفسها التي إذا غيرت حركة حرف واحد في كلمة تغيرت دلالتها ومعناها!
عدت إلى المعاجم لأنظر في هذه الكلمة التي فجأة صارت عندنا صحيحة بالحرفين! فوجدت في لسان العرب "يقال تَضَافَرَ القومُ على فلان وتَظافَرُوا عليه وتظاهَروا بمعنى واحد كلُّه إِذا تعَاونوا وتَجَمَّعُوا عليه، وتأَلّبُوا وتصابَرُوا مثلُه."
بعد أن اكتشفت حقيقة كلمة (متضافرة/ متظافرة)، قررت أن اكتشف حقيقة كلمة (باهظة)! ذلك لأنه طلب مني مراجعة إحدى المجلات الصادرة بالجامعة، وفيها وجدت الطلبة يكتبون كلمة (باهظة) بالضاد هكذا (باهضة) وحينها انتابني شك في كتابتي فمن كثرة الأخطاء التي أقابلها بدأت أصاب بالعدوى! وأذكر أنني حينها أرسلت لأختين متفوقتين أسأل عن الكلمة في الوقت نفسه الذي كنت أبحث في الشبكة لعدم توافر المعاجم الورقية عندي حينها، فأكدتا لي أنها (باهضة) بالضاد لا بالظاء، وأكدت لي إحداهما أنها منذ خلقت وهي تعرفها وتكتبها بالضاد، في حين كنت أنا أكتبها بالظاء منذ خلقت!
وحين عدت إلى الكلية وجدت صديقة لي وسألتها لتسعدني أنها هي الأخرى منذ خلقت تكتب باهظة بالظاء لا الضاد، فما الصواب؟ عدت إلى مجموعة من المعاجم لتحري الكتابة الصحيحة للكلمة:

"بهظ (لسان العرب)
بَهَظَنِي الأَمْرُ والحِمْل يَبْهَظُني بَهْظاً: أَثقلني وعجزت عنه وبلغ مني مَشَقّة، وفي التهذيب: ثقُل عليّ وبلَغ منِّي مشقَّتَه.
وكلُّ شيء أَثقلك، فقد بَهَظك، وهو مَبْهُوظ.
وأَمر باهِظ أَي شاقٌّ. قال أَبو تراب: سمعت أَعرابيّاً من أَشجع يقول: بَهَضني الأَمر وبهظني، قال: ولم يتابعه أَحد على ذلك."

"بهظ (الصّحّاح في اللغة)
بَهَظَهُ الحِمْلُ يَبْهَظُهُ بَهْظاً، أي أثقله وعجز عنه، فهو مَبْهوظٌ.
وهذا أمرٌ باهِظٌ، أي شاقٌّ."


"بهظ (مقاييس اللغة)
الباء والهاء والظاء كلمةٌ واحدةٌ، وهو قولهم بَهَظه الأمرُ، إذا ثَقُل عليه.
وذا أَمْرٌ باهظ."

"بَهَظَه (القاموس المحيط)
بَهَظَه الأمرُ، كمنع: غَلَبَه، وثَقُلَ عليه، وبَلَغَ به مَشَقَّةً."

"بهظه (المعجم الوجيز)

(بهظه)- بهظا: شق عليه.
(الباهظ) من الأمور: الشاق."

الملاحظ هو أن جميع العاجم المذكورة تؤكد أن كلمة (باهظة) بالظاء في أصلها (بهظ) ـ على عكس متضافرة التي أصلها الضاد (ضفر) ـ غير أن معجم لسان العرب يورد ما لم تورده بقية المعاجم ".قال أَبو تراب: سمعت أَعرابيّاً من أَشجع يقول: بَهَضني الأَمر وبهظني، قال: ولم يتابعه أَحد على ذلك." وهو بذلك يؤكد وجود استخدام شاذ ونادر للجذر (بهض)، أي يمكننا القول بجواز كتابة (باهظة) بالضاد أيضا وإن كان هذا في اللغة غير مستساغ لقوله: ولم يتابعه أحد على ذلك، في كلمة (بهضني).

يبقى السؤال الآن إذا كانت أغلب المعاجم توردها بالظاء فكيف حدث أن بعضهم منذ خلق يكتبها بالضاد؟!  J

 
حروف عربية

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

لماذا نترجم الأدب؟

لماذا نترجم الأدب؟
قضت حكمة الله أن يجعل الناس شعوبا وقبائل، ويغرس في نفوسهم الرغبة الملحة في التعارف والتآلف، ولم يكن ثمة سبيل أمام هذا الإنسان لتحقيق تلك الرغبة غير تعلم لغة الأمم التي يرغب في التواصل معها، ولما كان إلمام الفرد بمختلف اللغات أمرا مستحيلا جاءت الترجمة لتيسر له سبيل التواصل والتآلف مع تلك الأمم.
وتعد الترجمة من أهم وسائل الاتصال بين الشعوب المختلفة في لغاتها، وهي فعل ثقافي حضاري له جذور ضاربة في تاريخ الإنسانية، وأهميةً متزايدة في حاضر الإنسانية، ومن مختلف المعارف والعلوم التي ترجمت من لغة إلى أخرى حظي الأدب منذ القدم بمكانة بارزة وبقبول واسع وسعي دائم لترجمته، ويأتي ذلك إقرارا بأهمية الأدب في فكر أي أمة من الأمم، فهو وثيقة وجودها وحفظ خصوصية ثقافتها وتكوينها.
 يقول عبده عبود حول أهمية ترجمة الأدب: "كانت الترجمة الأدبية على امتداد التاريخ الثقافي للإنسانية، ومنذ وجدت آداب قومية مكتوبة بلغات مختلفة، هي الشكل الأبرز للعلاقات التي نشأت بين تلك الآداب. فمن خلالها كان كل شعب يتعرف آداب الشعوب الأخرى، فيستمتع بها جماليا، ويستقي منها معلومات وفيرة حول الواقع الاجتماعي والحضاري لتلك الشعوب. وكان الدور الذي مارسته الترجمة الأدبية دورا تجديدا باستمرار، فالشعب الذي يستقبل آداب الشعوب الأخرى ويستوعبها، يطلع على ما في تلك الآداب من أشكال وأساليب وتقنيات وأجناس أدبية ومن مضامين وأفكار، فيتأثر بها إلى هذا الحد أو ذاك، مما ينعكس تجديديا على الأدب المستقبِل الذي أتيحت له فرصة الاستفادة من الآداب الأجنبية المستقبَلة فنيا وفكريا".
ومن خلال مناقشة هذا القول، نجد أن ترجمة الأدب في المقام الأول تعرٌّفٌ على الآخر المختلف عنا لغة وثقافة وحضارة قارة في أدبه، واستمتاعٌ بأدبه وتذوقٌ له، بيد أن الأمر لا يقف عند مجرد معرفة الآخر، فهذه المعرفة هي في واقعها تقييم للذات في أدبها وثقافتها وحضارتها أيضا، يقول أدونيس: "لا يحسن الإنسان فهم نفسه إلا بقدر ما يحسن فهم الآخر. فترجمة الآخر طريقة مثلى لمعرفة الذات...إن ثقافة تكتفي بذاتها وتعزف عن الترجمة يصحّ أن توصف بأنها شبه ميتة". وقد اعترف (جوته) الأديب الألماني بأن ترجمة رائعته فاوست التي قام بها الأديب الفرنسي (جيرار دي نرفال) ساعدته على أن يفهم نفسه.
والترجمة أيضا ـ مثلما نستشف من قول أدونيس ـ حياة للثقافة المستقبلة، حياة تزدهر فيها معارفها وعلوما وآدابها ولغتها أيضا، حيث يقول علي القاسمي إن: "البلدان التي تترجم أكثر هي التي تحقق تقدّما أكبر، وأن أغنى عصور الفكر هي تلك التي تزدهر فيها الترجمة وتتوسع. وأن اللغة العالمية هي ليست تلك اللغة التي يتكلمها أكبر عدد من الناس، بل هي تلك اللغة التي تُرجم إليها أكبر عدد من الأعمال من مختلف اللغات".
ويمكننا أن نضرب مثلا على ذلك بالعصر العباسي الأول عندما انطلقت حركة الترجمة في عهد الخليفة المنصور، وتصاعدت في عهد الخليفة هارون الرشيد، وبلغت أوجها في عهد الخليفة المأمون مؤسس بيت الحكمة، الذي كان مركزا للبحث والترجمة. وشملت الترجمة آنذاك فلسفة اليونان وعلوم الهند وآداب الفرس. وارتفعت مكانة المترجمين وعلا شأن العلم والعلماء الذين لم يكتفوا بالترجمة بل نقدوا ما وصل إليهم من علوم وأضافوا عليه بما استجد عندهم من معرفة، وحديثنا عن الترجمة عامة هو حديث عن ترجمة الأدب خاصة، فلا يخفى على أحد مثلا قيمة الأدب الذي ترجمه ابن المقفع من الفارسية للعربية في ذلك العصر، قيمة يمتد صداها إلى العصر الحديث إذ يعد كتاب "كليلة ودمنة" من روائع الأدب العالمي.
وإذا كانت الحضارة الإسلامية العربية ازدهرت عندما ترجمت، فالواقع العربي اليوم بحاجة ليكثف الجهد في الترجمة من مختلف اللغات، لأن الترجمة سدٌّ للنقص الحاصل في ثقافتنا وأدبنا، يقول ميخائيل نعيمة في كتابه الغربال: "نحن في دور من رقينا الأدبي والاجتماعي قد تنبهت فيه حاجات روحية كثيرة، لم نكن نشعر بها من قبل احتكاكنا الحديث بالغرب، وليس عندنا من الأقلام والأدمغة ما يفي بسد هذه الحاجات. فلنترجم! ولنجلّ مقام المترجم؛ لأنه واسطة تعارف بيننا وبين العائلة البشرية العظمى، ولأنه بكشفه لنا أسرار عقول كبيرة، وقلوب كبيرة تسترها عنا غوامض اللغة، يرفعنا من محيط صغير محدود، نتمرغ في حمأته إلى محيط نرى منه العالم الأوسع، فنعيش بأفكار هذا العالم وآماله وأفراحه وأحزانه".
ونجد أن ميخائيل نعيمة يدعو لإجلال مقام المترجم، لأنه المسؤول عن تحقيق التواصل بين الآداب والثقافات، وعن انتقاء ما يترجم من تلك الآداب مما يسهم في التعريف بها ويثري الأدب المترجم إليه، فضلا عن المترجم بمهارته في الترجمة يخلق أهمية النص المترجم، فمثلما يذكر غسان السيد أن "شيجل بموهبته الشعرية استخدم لغة ألمانية معاصرة جعلت مسرحيات شكسبير من روائع الأدب الألماني الكلاسيكي، حتى لقد كان في وسع القارئ أو المشاهد الألماني أن يكون أدنى إلى فهم شكسبير وتذوقه من اللندني الذي ليس أمامه إلا أن يتقبل شكسبير في لغته الأصلية".
من جانب آخر تكمن أهمية ترجمة الأدب كذلك ـ مثلما يشر عبده عبود ـ في الأثر الذي يحدثه في الأدب المستقبل بعد استيعابه استيعابًا واعيًا، هذا الاستيعاب الذي يجعل الأدب المترجم جزءًا من ذاتنا وثقافتنا، يقول غسان السيد: "منذ أن بدأ وعينا المعرفي يتشكل، وجدنا أمامنا روائع الأدب العالمي مترجمة إلى العربية، بدءا من شكسبير ودانتي، مرورا بآداب القرون الوسطى الأوروبية، وانتهاء بترجمات روائع الأدب الروسي والأدب الفرنسي، والأدبين الإنجليزي والأمريكي، لهذا لا نبالغ إن قلنا أن الترجمة شكلت بصورة مباشرة أو غير مباشرة جزءا من شخصيتنا، وجزءا من ثقافتنا، إلى حد أنه لا يمكن تخيل الثقافة الحديثة دون هذا الوسيط المثمر والذي نسميه: الترجمة".
 
فأثر الأدب المترجم يبدأ بالتجلي في الأدب المستقبل، بعد استيعابه لروائع ما أنتجته الآداب الأخرى، وأفضل ما أبدعته أقلام أدبائها، إذ إن ترجمة الأعمال المؤثرة في الذاكرة البشرية هي حافز تجديد لشخصيتنا الأدبية والثقافية، وإثراء للأدب، هذا الإثراء الذي يتحقق لأدب اللغة المصدر ولأدب اللغة الهدف، فللأول لأن ترجمته إلى لغات أخرى، هو حياة لهذه النصوص المترجمة واستمرار لها، يقول عبد السلام بنعبد العالي: "إن الترجمة هي التي تنفخ الحياة في النصوص وتنقلها من ثقافة إلى أخرى، والنص لا يحيا إلا لأنه قابل للترجمة... ". وللثاني الذي يستلهم مما استوعبه من الأدب المترجم، ويظهر أثره في مرحلة التأليف والإبداع!
 
حروف عربية

الجمعة، 25 يناير 2013

من هو المسلم؟


" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن"

"الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"

"الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ, وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ"

"لا تَبَاغَضُوا ، وَلا تَحَاسَدُوا ، وَلا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا , وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ"

"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"

"إياكم والظن فإن الظن، أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا, ويشير إلى صدره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"

 "أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُنْ من خانك"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الدين يقوم على احترام الإنسان، وأن أحترم الإنسان يعني: ألا أسخر منه.. من حديثه، من شكله، من تفكيره، من مشاعره..، ألا أغتابه، ألا أكذب عليه، ألا أنافقه، ألا أشتمه، ألا أخذله....

أن أحترم الإنسان يعني أن أصدقه ظاهرا وباطنا، وأكون له سندا وأسعى معه فيما يحتاج، وأبادره بالعون...

أن أحترم الإنسان يعني ألا أرسل له عذب الكلام ثم أتهكم عليه في مجالس اللغو الاجتماعي (ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي)..

أن أحترم الإنسان... أزمة بداخلي تفجرت منذ مدة، وغدت هاجسا في تفسير معنى الأخلاق والقيم... !!

أذكر محاضرة لأحد الدعاة والمفكرين العرب، كان يتحدث فيها عن الاحترام، ذكر ـ فيما أذكرـ أنك قد تختلف مع فلان قد تتجادل قد يرتفع صوتك (هذه أمور تحدث في النقاش إذا ما احتد) لكن قضيتك هي الموضوع، لذا لا تجرح في ذات الشخص وشخصيته وتهينه وتشتمه مهما اختلف التفكير والرأي...

اليوم الناس إذا ما اختلفوا معك أو لم تنفذ لهم مآربهم أهم شيء عندهم انتصارا لأنفسهم أن يجرحوا في المرء وأهله وشخصيته، هكذا يكونون رجالا!

 

 

الأحد، 13 يناير 2013

اللغة فن وحضارة

 
أعجبني التصميم فقط فاستخدمت الصورة

اللغة فن وحضارة:
وأنا أقرأ مقدمة منذر عياشي في ترجمته كتاب النقد والحقيقة لرولان بارت، لفتت انتباهي هذه الفقرة: ".. بما أن اللغة هي الإنسان ناطقًا وكاتبا كتعبير عن الذات، وهي الإنسان فاهمًا ومحللا ومفكرًا في الآخرين وفيما حوله من كونٍ لا يتمثل ولا يتحقق إلا في هذه الرموز والإشارات الذهنية التي نسميها اللغة. من هنا فإن الأصل في وعينا الثقافي هو أصل لغوي، وإذا ما استعدنا هذا الوعي فإننا نستعيد أصلا من أصولنا الحضارية".

لماذا يكره الطلاب العربية؟

عدم الوعي بحقيقة اللغة يبدو لي جوهر المشكلة، فاللغة ليست سبيل تواصل وإبلاغ يتحقق فهمه حتى لو اختلت بعض قواعده، "اللغة هي الإنسان ناطقا وكاتبا معبرا عن ذاته، فاهما محللا ومفكرا في الآخرين" اللغة تعبير عن (الأنا والآخر) ـ في المقام الأول ـ يوصل للفهم والتفاهم، وهذا الهدف ـ الذي يريده الجميع ـ لا يتحقق إلا إن كانت أساليبه وقنواته سليمة!..

لو فقط استطعنا أن نوضح لمن يستخف باللغة جوهر قيمتها الحقيقي وأنها وعي من أصولنا الحضارية سيحقق بنفسه الاعتزاز (باللغة هوية)، بيد أننا نردد أن اللغة هوية دون أن نفسر ذلك..

 ليست العربية نحوا وصرفا وبلاغة ونقدا... إلخ، هذه مجرد أدوات تشكل اللغة العربية، وإيجادتها تمنح سلطة التأثير في الآخر، إفهاما، إقناعا، نصحا، إرشادا..

ليس مطلوبا من الطلاب تعلم علوم العربية لذاتها بل لهدف أسمى، يطمح به الإنسان أن يصل لأرقى سبل التعامل الحضاري مع ذاته وغيره ثم الكون من حوله.

اللغة فن نطقا وكتابة، وجمال يحرك العالم بأسره، والعربية كغيرها من اللغات جزء من ذلك الهدف، وهذا الفن والجمال، ولا تحتاج إلا أن نستعيد هذا الوعي بها، وعيًا حضاريا.

السبت، 7 يوليو 2012

كلمات وقيم.. من ذاكرة طفولتي

كلمات وقيم..
                                                                                        من ذاكرة طفولتي
ثمة لحظات تعود فيها ذاكرتي للوراء، تغرقني في بحر من الصور والألحان، وأتذكر كلمات رافقتنا في طفولتنا، وكونت جزءًا مهمًّا من ذاتنا وفكرنا، غُرِست برقة في أرواحنا، فعلمتنا قيمًا وأخلاقًا وسموا أخاذًا استُمد من عمق ديننا العظيم!
دائما ما تحضرني كلمات من أناشيد الأطفال التي نشأنا معها، ومن أغاني الكرتون التي مكثنا بإصرار أمام شاشة التلفاز لمتابعتها، ولعلَّ ما أتذكره من ألحان ناتج بسبب المعنى الذي باح به اللحن وردده، وما تركه من أثر عجائبي في روحي وفكري! فكم حثتنا على مساعدة الآخرين وتقديم العون:
ساعد غيرك لو تدري     ما معنــــى حبُّ الغيرِ
ما أجمل أن تحيا في الأرض بلا نكران
هذا المعنى الإنساني الجميل الذي تبوح به الألحان من مسلسل ماوكلي، يطلب منك ببساطة أن تفهم معنى التعايش مع الآخر ومساعدته، وتفهم قيمة العطاء الذي يورثك السعادة والرقي:
مــــدَّ يديك ولا تتردد      فرحي يكبر أصبح أسعد
حين أقدم عونا يومًا     تسمو أهدافــــــي تتجدد
فعلا تسمو الأهداف وتتجد عندما نمد يدينا بالعون للآخرين! ولا ريب أن هذا العون مقنن بأصول وأوقات، ويتطلب وعيًّا وحكمة أسرفت الرسوم في تعليمنا إياها!
* * *
حبُّ الوطن، والسعي لخدمته والدفاع عنه، من أجمل المعاني التي عبرت عنها تلك الألحان، ولعل ما يتردد في ذاكرتي غالبا كلمات صقور الأرض، حين يصرِّح بعظمة أن شرف الوطن وعزته أغلى من كل شيء، وأن الإخلاص والفداء واجب علينا:
شرف الوطن أغلى منا ومن
ما قد يجول بفكرنا في أي زمن
شرف الوطن وأرضي
شرف الوطن قبلي وبعدي
شرف الوطن مرآة مجدي
سيفي ورمحي في وجه المحن
تعاهدنا تعاهدنا
تعاهدنا معا على الإخلاص والفداء
تعاهدنا غدا سنعلي راية الجهاد
* * *
الإصرار، والتحدي، والكفاح والمثابرة، من أجمل ما تغنت به تلك الألحان، وتمثلت به أقوالنا بوعي أو بدونه، ثمة تأثر ملموس يجول في أعماقنا، يجعلنا نتحلى تلقائيا بهذه الصفات، ويعجبني ما جاء في مسلسل أرغاي:
فلتمضِ بعزم وإرادة   فالشر ضعيف
هيا بعقول وقـــــادة   لا شيء يخيف
والحق مصـــــان   فامضِ بأمـــــان
جميل جدا هذا التعبير البسيط عن واقع متحقق لا محالة، العزم والإرادة بصحبة العقل الفطن كفيل بدحر الظلم، فمهما حدث يبقى الحق مصان عند الخالق الكريم. وغالبا يقترن ذكره هذه الصفات من عزم وإرادة عند صراع الخير والشر وحتمية النهاية الخيرة، وأذكر من حكايات ما أحلاها قولهم:
الخير في الأرض سيبقى محفوظا للأوفياء
في مقابل قولهم:
والشر يبقى في المغيب
وبالرجوع للحديث عن روح الإصرار والتحدي أذكر كلمات السباق الكبير وهو يقول:
للأفق خط واسع مع المدى يدوم
للأفق درب واحد ولنا دروب
وتتجلى في عبارة: ولنا دروب، معانٍ واسعة وطموحة وأحلام تعانق السحاب:
فلننطلق معا نوحد الدروب
ونمضي للأمام للأمام
هيا فلندخل المضمار
بعزمنا نسابق الإعصار
الرغبة في توحيد الهدف، السعي بعزيمة نحوه وبقوة تأبى الانحناء أو التوقف، قيم جميلة والأجمل طرحها بصور تعبيرية لطيفة تجعل منها أكثر ملامسة للفكر وتنبيهًا له، وأكثر واقعية كذلك، هذه الجمالية تجعل مثل هذه الكلمات والعبر أكثر قبولا من العبارات المباشرة التي لا تعدو كونها كلمات فقدت المعنى من كثرة التكرار!!
* * *
الصبر والاهتمام بالآخرين، مقاومة اليأس، أستحضر معها كلمات أنا وأخي:
لو سرقت منا الأيام قلبا معطاء بسام
لن نستسلم للآلام لن نستسلم للآلام
وفي ظل هذا الألم:
لا تنسَ أخاك
ترعاه يداك

وأتذكر كذلك كلمات عهد الأصدقاء، وصديقنا منظف المداخن روميو، وأصدقاؤه، وعهدهم الوفي:
وتبقينا الحياة أضواء لآخر النهار
فدعونا.. كي ننسى ألما عشناه
نستسلم؟ لكن لا ما دمنا أحياء نرزق
ما دام الأمل طريقا فسنحياه
فعلا ما دام الأمل طريقا فسنحياه!

* * *
تذكرون مسلسل بابار؟! ما أحبه هذه الكلمات فيه:
برفق قال لنـــــــــا       ليس هنالك ما يخيف
 نحن الخير بطبعنـا      لا نرضَ ظلم الضعيف
لا يحيا بيننــــــــــا      إلا الإنســان الشريف
رفض الظلم للضعيف بمختلف أنواعه، السعي نحو النموذج الأمثل للإنسان الشريف، وبالرغم من اختلاف الواقع واستحالة اصطفاء الناس، فهذا الحلم ـ بوجود المجتمع الشريف الخالي من الشر ـ في حد ذاته حلم له جماليته وروحانيته الخاصة.
بالأخلاق الفاضلــة      بالمحبــــــة بالأمــل
نسمــو ننتصر على   المصاعب في العمل
بــــادروا دوما إلى     الاعتـــــراف بالزلل
لا ترفضـــوا خجلا     ضحكنـــــا قلنا أجل
كيف نتغلب على المصاعب في الحياة وأعمالها الجماعية؟ بالأخلاق الفاضلة وأهمها الاعتراف بالزلل والخطأ وتصحيحه، وليس تجاهله أو تجاوزه بالدعوى أننا نبتعد عن لوم بعضنا بعض! فصاحب الخطأ يجب أن يتحلى بالشجاعة ويعترف به ويحَاسب! لأنه لو تم تجاهله فسيتكرر مرارا، وهذا ليس من صفات المجتمع الشريف!
* * *
الحديث يطول ويطول والعبر الطيبة لا تنتهي والقيم النبيلة نور ينبغي أن يتشربه الصغار، واختم حديثي بكلمات رائعة جدا جدا جدا في بساطتها وعمقها وفصاحتها، كانت لمسلسل عرض برمضان قبل سنوات، لا أذكره لكن كلماته تعجبني بشدة وبفرح أتركها تجول بخاطري:
من كـــــان ينظر للبعيد     يبدي لنا الرأي السديدْ
ما خـــــاب في قول ولا      أبدى لنـــــــا إلا المفيدْ
لا عيـــــش إلا بالأمــــل      مهما يكن نوع العمــلْ
من سار في الدرب وصل     يختــــال في ثوب جديدْ
  هــذي المظـــاهر بالية      من كــــــل حسن خاليةْ
  والصالحــــــــات الباقية     تهدي لنا العيش الرغيدْ
رسوم اليوم مضمونها وكلماتها مفسدة لعقل الطفل لا معنى ولا فكرة ولا عبر إلا ما ندر! أنى لنا بكلمات بسيطة تحفل بكل هذه الحكم، وموجهة للطفل أولا؟ ختام القول: والصالحات الباقية تهدي لنا العيش الرغيد: سبحان الله وبحمد الله ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الخميس، 31 مايو 2012

سحر القصص الشعبي.. لحظة من الذاكرة

سحر القصص الشعبي.. لحظة من الذاكرة..


يسعد القمر إذا ما رآنا نلتف حول نوره وقد أظلمت دارنا لانقطاع أضوائها، يدرك في أعماقه إنه مثلنا تماما سيستمع لحكاية مفعمة بسحر الماضي وعبق التراث التليد، حكاية لا تفقد متعتها مهما تكرر سردها ونقلها نسيم الليل عبر الطرقات والمساحات..
أمي منذ طفولتي تقص على مسامعي  قصص تناقلتها أمها عن جدتها وجاراتها نساء الحارة القديمة، حكايات عن خرافية النسج، عبقرية المعنى، حلوة السرد، عجائبية الأحداث والعبر.. تحكي لي عن سر الجمل حامي شجرة الرمان التي تثمر ذهبا، وعن الفتاة المعذبة من زوجة أبيها التي ستتزوج ثعبانا يسعدها في حياتها، تحكي لي عن الطفلة ابنة السلطان التي إن بكت أمطرت ذهبا وإن ضحكت انهمرت فضة، وعن الأخوات الثلاث الآتي ظلمن أختهن الصغيرة فكانت أسعدهن حياة بزواجها من ابن سلطان تلك البلاد، وعن الفتاة التي تنكرت بإهاب الكلب هاربة من مصير تكره لآخر انتهى بفرحة دائمة..
لم تتجاوز حكايات أمي الست أو السبع، ترددها علينا دائما ونطالبها في أي فرصة سانحة بتكرارها وإعادتها، فتعيدها بذات الأحداث المعروفة وبألفاظ تتباين أحيانا كثيرة، مما يكشف متعة الحكي الشفاهي، ففي كل مرة تسمع الحكاية تبدو لك جديدة في تفاصيلها لجدة الألفاظ المستعملة في سردها تبعا لحالة السارد وجوه النفسي وما تؤثر به البيئة الآنية عليه..
تأخذنا خيالات أبطال قصصنا لأزمان أخرى، وتكشف لنا حقائق كامنة في أعماق النفس البشرية حاول أجدادنا عرضها بما تأتى لهم من خيال وخبرة لونوا بها كلماتهم  وأفكارهم ومشاعرهم، وتناقلوها في جلساتهم ومسامراتهم، تسلية، ومنفعة، وتأصيلا لحياة هم عاينوا تفاصيلها وعاشوا لحظاتها.
تلك الحكايات القصيرة المعدودة، جعلتني أدرك عمق التراث الشعبي الذي طواه ماضينا وتباطئنا عن جمعه ودراسته رغم غزارته وثرائه، ففي كل ناحية من بلادنا اجتمع قوم وألفوا وحكوا وسردوا قصصا متنوعة أحداثها، متباينة معانيها، لكنما متفقة عبرها الناتجة من خبرة تنعكس حكمتها في فكر الجماعة والشعوب مهما تباعدت، وجهلت مقولة بعضها بعض؛ ذلك لأن الحياة هي الحياة، تملي على كل فكر أينما كان حقيقة وجودها ومنتهى غايتها وجوهرها.
أعني بذلك أنه مهما تباينت هذه الحكايات من حارة إلى حارة، وبلد إلى بلد، وقبيلة إلى أخرى، وشعب إلى شعب، فإننا عندما ندرس فحواها سنجد الحكم والعبر نفسها تقريبا، والظلم نفسه، والعدل نفسه، بل والنهاية المفرحة المنصفة نفسها تقريبا، لأنها تمثل أماني البشر، التي جعلتهم يؤلفون خيالا منصفا يتأملون حصوله أمامهم في الدنيا المتقلبة مصائبها وحوداثها عليهم.
تراث ثري، وحكايات تسرد لنا نواح نفسية واجتماعية في قلب الإنسان العماني، تحكي مرارة الفقر مقابل ترف الغنى وجوره، تحكي حب الجمال جمال الروح والنفور عن قبح النفس أمام جمال المحيا، تحكي عن الرزق الذي سيئول لصاحبه وإن طال الزمن ما دام مؤمنا بالله تعالى. عن معاناة الفتاة في بيتها أو بيت زوجها وحُلمها الدافئ ببيت أميري المعشر، طيب الأصل. تحكي عن قسوة الإنسان حتى على أخيه، وأيضا عن رحمة الإنسان ورفقه ببنيه، وتضحيته من أجل مبادئه، وشهامته حتى أمام أعدائه. هذه القصص تعلمنا كيف يربى الإنسان ليغدو رجلا صالحا، أو وغدا طاغية.
كيف نشأت؟ لا ندري، من ألفها؟ لا ندري.. من سردها؟ أيضا لا ندري! ما نعرفه أنها بين أيدينا، وأن لها جوانب اجتماعية ونفسية وأدبية ولغوية جديرة بالدراسة! لعلها نشأت هروبا من واقع أو انعكاسا لواقع، لعل عجائبيتها نتيجة عبقرية نادرة وخيال جامح.. لعلها ولعلها.. وهي كلمة كفيلة بإثارة الخيال وحب اكتشاف كنهها وتأثيرها وأهميتها في أفكارنا وسلوكياتنا وحياتنا اليوم..
كم نشعر بالحنين إليها؟ كم فتحت عقلي للمقارنة بينها وبين ما تلتقطه عيني من قصص ورسوم جاءت عبر التلفاز من شعوب أخرى، تفاجئونا بتشابه تفاصيل الحكايات أحيانا لدرجة كبيرة فضلا عن عبرتها، مثلها مثل حكاية بنت السماك التي أطلق عليها " حكاية سندرلا العمانية" وهو الأمر الذي لا أتفق معه قط، فالشهرة ليست حكما منصفا ننسب إليه وجه الشبه بين تراث الشعوب، فلكل خصوصية تستحق الاستقلال بدراستها، حتى لو درسناها دراسة مقارنة، فلماذا ننسب حكاوينا لمجرد التشابه الذي يبدو طبيعيا كما ذكرت في ذهن الجماعة ـ لماذا ننسبه للأشهر بغض النظر عن الاختلاف وعن زمن الروي وظروفه!
ذات مرة وقعت بين يدي حكايات من ظفار نشرت في كتاب وكانت فرصة للمقارنة بين ما سمعته في الشمال المختلف ثقافة لا ننكرها عن الجنوب المميز بتراثياته وثقافته وأهله الطيبين، ولم يخفَ التشابه والتباين أيضا كوضع طبيعي في القصص المروية..
من أي فكر ساحر جاءت؟، وبأي عبر لمّاحة عن نفس الإنسان نبأت وأخبرت؟ ومتى تقر أعيننا بجمع هذا التراث الشعبي الذي ينعكس في كتابات أدبائنا الحاليين أحيانا كثيرة، حتى نقرأه بتمعن أكثر وندرس خصاله، بل ونعيد إحياءه ورسمه وإخراجه كهوية  لا يستغنى عنها في أدبنا العماني؟