‏إظهار الرسائل ذات التسميات في حياتي كتاب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات في حياتي كتاب. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 15 يناير 2013

مقطفات من: سيدات القمر


كتب على غلاف راوية سيدات القمر: ".. تتناول تحولات الماضي والحاضر، وتجمع، بلغة رشيقة، بين مآسي بشر لا ينقصهم شيء ومآسي آخرين ينقصهم كل شيء" !

مقتطفات ـ من بين الكثير منها ـ استوقفتني:

"من الصباح حتى المغرب ثلاثة أيام أصافح المعزين وأردد: "البقاء لله". أكلوا الأرز واللحم وذهبوا."

"عرفت أنها لن تعود أبدا تلك الشخصية التي كانتها، وأن ما يسميه الناس "تجربة" هو في الحقيقة داء مزمن، لا يميتنا ولا نشفى منه، لا نحتمله ولا نتخلص منه، يرافقنا أينما ذهبنا ويثور في أي لحظة يذكرنا أن له مضاعفات غفلنا عنها أو تغافلنا، وما ينصحونها به من "فتح صفحة جديدة" مجرد مزحة سمجة."

"ماتت غالية. لم أعرف أن عوالمنا مترابطة إلى هذا الحد المخيف، أنا وأسرتي، إلا بعد أن ماتت غالية، وانهارت عوالمنا كلنا".

"... لتكمل بكمالها وجاهته الاجتماعية وثقته باختياراته. كانت زوجة تصلح للمباهاة، تضفي اللمسة النهائية لقبوله اجتماعيا"

"وحفظ مروان الطاهر الحديث الذي يدل على أنه من الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، لأنه نشأ في طاعة الله، ولأن قلبه معلق بالمساجد".

"حين أتم مروان الطاهر عامه السادس عشر كان قد صام ما مجموعه ثمانية أشهر وأربعة عشر يوما ولكنه أيقن أنه لن يتوقف عن السرقة كما عرف أنه لا يحتاج بكل تأكيد لأي شيء يسرقه".

"هو الذي سيظله الله بظل العرش يسرق، الطاهر الذي يصون كل جوارحه ولا يكاد يرفع بصره عن الأرض يسرق، هو المنذور المبشر به يسرق، تمتد يداه الطاهرتان ليسرق ما لا يحتاجه"!

"وقبل أن يطلع الفجر بقليل قطع شرايين يده السارقة بنصل الخنجر الحاد ونزف في خلوته الطاهرة حتى الموت".

"...صراحة الزواج عندي لا علاقة له بالحبّ، الحبّ أحلام والزواج واقع: حياة ومسؤولية وأولاد بلا أوهام، الشخص المناسب اللي يكرمك ويحترمك وتنسجمي معه ويكون أب تفتخري به لأولادك، ما يشعر معك بعقدة نقص ولا يعيرك بحبك.. قال الحب قال.."

"لم تعد تحتمل الماضي كل شيء فيه يتضخم ويخنقها".

"وخولة لا تنسى كل ما حل بها، يوما يوما وساعة ساعة ولحظة لحظة، كل شيء فيها فتت الروح بجدارة وعناية بالغة... لم يبق في قاع الروح تراب ندي يُصلح الزرع."

"... أن العشر السنوات الأولى انتفضت بذرتها بغتة في روح زوجته ونمت شوكا يمزقها".
 
 

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

بينما ينام العالم..رواية

  • مقال من مجلة العربي عدد يوليو 2012م
  • كان لا بد ان أنشر هذه القراءة هنا.. بودي بشدة أن أقرأ الرواية
 
  • إصدار: مأساة الشعب الفلسطيني في رواية مترجمة إلى 23 لغة
          تزامنًا مع الذكرى الرابعة والستين لنكبة الشعب الفلسطيني، أصدرت دار بلومزبري - مؤسسة قطر للنشر، الطبعة العربية من رواية «Mornings in Jenin»، للروائية الفلسطينية سوزان أبو الهوى، تحت عنوان «بينما ينام العالم».
          تتحدث الرواية التي ترجمت إلى 23 لغة، ويجري إنتاجها حاليًا في فيلم سينمائي، عن رحلة أربعة أجيال من عائلة فلسطينية، كانت تعيش حياة سعيدة هانئة، في زراعة الأرض بالزيتون والتين والعنب والبرتقال، قبل أن يسلبها الاحتلال دقائق حياتها، ويفقدها حياتها المسالمة إلى الأبد، حيث يتم ترحيلهم قسرًا عن قريتهم وأرض أجدادهم إلى مخيم للاجئين في مدينة جنين، لتبدأ مأساة ما زالت أبعادها مستمرة حتى اليوم.
          تُسهب الرواية الفائزة بجائزة Edna Andrade من مؤسسة ليواي Leeway في فيلادلفيا بالولايات المتحدة تقديرًا لمستواها الإبداعي الفريد، في وصف الحياة الفلسطينية بواقعيتها العفوية والبسيطة، دون أن تخلو من رمزية نجدها في ثنايا كل صفحة من صفحاتها، وفي أسلوب يذكرنا بالكاتب والروائي الكبير غسان كنفاني، ذلك أن المؤلفة استوحت فكرة روايتها من رواية كنفاني الشهيرة «عائد إلى حيفا»، التي تتحدث عن طفل فلسطيني عثرت عليه أسرة يهودية في منزل استولت عليه عام 1948 وتولّت تربيته.
          وعلى الرغم من أن شخصيات الرواية متخيلة، فإن أحداثها وشخصياتها التاريخية ليست كذلك. فهي تعتمد على أحداث وإشارات ووقائع شهدتها القضية الفلسطينية، ومنها ثورة عام 1936، ومحاولات إقناع الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان، الذي تولى الحكم بين عامي 1945 و1953، بالاعتراف بدولة يهودية في فلسطين ودعمها، وكيف تغيّر اسم البلاد بعد خروج قوات الاحتلال البريطاني في مايو 1948 من فلسطين إلى دولة الكيان الصهيوني «إسرائيل»، ثم تسوية قوات الاحتلال لعشرات القرى الفلسطينية بالأرض، في محاولة منها لقتل الروح العربية وتغيير ملامح الوطن الأسير. كما تسجل الرواية اغتيال السويدي الكونت فولك برنادوت، وهو الوسيط الدولي الذي عينته الأمم المتحدة لاقتراح حل للصراع، على أيدي إرهابيين يهود في سبتمبر 1948، بعد أن اقترح وضع حدٍ للهجرة اليهودية إلى فلسطين. وتعرج الرواية على محطات مهمة في التاريخ الفلسطيني المعاصر مثل بطولات الفلسطينيين في معركة الكرامة في مارس 1968، والمجازر التي وقعت بحقهم في صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982، ومخيم جنين في أبريل 2002.
          وتعزز مؤلفة الرواية من الروح الإنسانية الفلسطينية، من خلال الاستعانة بأبيات شعرية لامرئ القيس، وتوفيق زياد، ومحمود درويش، إضافة إلى مقتطفات من مؤلفات جبران خليل جبران، والصحفي البريطاني روبرت فيسك، الذي كان شاهدًا على المجازر التي وقعت بحق الفلسطينيين في لبنان وفلسطين، والكاتب والأكاديمي الأمريكي اليهودي نورمان فنكلشتاين، المناصر لحق الفلسطينيين بالعيش في دولة مستقلة.
          تسهب الرواية في وصف مشاعر الفلسطينيين ومدى تعلّقهم بأرضهم وحبهم لوطنهم، ففي حديث بين والد بطلة الرواية، آمال، يقول الوالد عن شجرة الزيتون: «لا أحد يمكنه امتلاك شجرة. يمكنها أن تنتمي إليك، كما يمكنك أن تنتمي إليها. نحن نأتي من أمنا الأرض، نمنحها حبنا وجهدنا، وهي في المقابل تغذينا. وعندما نموت، نعود إلى الأرض. بطريقة ما، الأرض تمتلكنا... فلسطين تمتلكنا ونحن ننتمي إليها». وفي قسم آخر من الرواية تفسير مقنع لاحتفاء الفلسطينيين بشهدائهم: «تعلّم الفلسطينيون أن يحتفلوا بالاستشهاد، فالاستشهاد وحده هو الذي يقدم الحرية. في الموت فقط يصبحون محصنين أمام دولة الكيان الصهيوني. أصبح الاستشهاد هو التحدي النهائي للاحتلال. رسخ فن البقاء لديهم في عقيدتهم «ألا تسمح لهم أبدًا بأن يعلموا أنهم قادرون على إيذائك».
          ومنذ صدور هذه الرواية باللغة الإنجليزية في المملكة المتحدة منذ عامين، وهي مازالت واحدةً من أكثر الكتب مبيعًا، كما لاقت تقديرًا نقديًا كبيرًا في أهم الصحف البريطانية، حيث وصفتها صحيفة «الديلي ميل» بأنها «واحدةٌ من أكثر الكتب الحديثة أهمية، وهي مكتوبة بصدق وشاعرية»، وقالت عنها صحيفة «الإندبندنت» إنها «رواية لا تُنسى»، فيما وصفتها صحيفة «الجارديان» بأنها «رواية حزينة وشجاعة تحكي قصة أمة وشعب من خلال حكايات عائلة عادية تعيش في ظروف استثنائية»، ووصفتها حنان عشراوي، الناشطة السياسية الفلسطينية بأنها «تجربة أدبية فريدة لا ينبغي تفويتها»، أما مايكل بالين، الممثل والرحالة البريطاني، فكتب عنها «رواية تمثل رؤية قوية وإنسانية لما اضطر العديد من الفلسطينيين لاحتماله منذ إنشاء دولة «إسرائيل»، إذ تأخذنا سوزان أبو الهوى عبر الأحداث الدامية المشحونة بالغضب والمليئة بالرقة، لتخلق صورًا لا تُنسى للعالم، حيث تعيش الإنسانية واللاإنسانية، ونكران الذات والأنانية، والحب والكراهية، بعضها بجانب البعض».
          يذكر أن هذه الرواية هي الأولى لسوزان أبو الهوى، التي ولدت لعائلة فلسطينية من لاجئي فلسطين المحتلة عام 1967، وترعرت في فلسطين والكويت والأردن، قبل أن تنتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عملت بالطب بعد دراستها علوم الطب الحيوي. وفي عام 2001 أسست جمعية «ملاعب لفلسطين» التي تقوم بجمع التبرعات لبناء ملاعب للأطفال في فلسطين بالتعاون مع المؤسسات المحلية والجمعيات الأهلية هناك.
          باختصار «بينما ينام العالم» رواية «نُسجت كلماتها من معاناة كل فلسطيني، عانى قسوة الاحتلال، وتجاهل العالم».
دبي: حسام أبو جبارة

الأربعاء، 27 يونيو 2012

كتاب: أحلى الأساطير الإغريقية

أحلى الأساطير الإغريقية
خليل ح. تادريس


يحكي لنا هذا الكتاب عن عالم الخيال الإغريقي، حيث تعيش الآلهة مع البشر في جو من الصراعات والخوارق والمشاعر العميقة التي نسجها الإنسان القديم بمعتقداته، وسمَّها أساطيرا.
يقال أن الفضل في نشأت هذه الأساطير يعود لهوميروس الذي ظلت ملاحمه أجمل وأغرب ما في الأدب الإغريقي الخالد منذ ثلاثة آلاف سنة حتى اليوم!
هذا الخلود الساحر لا ريب كان دافعا لمؤلف الكتاب للبحث في هذه الأساطير وحكيها للقارئ العربي، ويقدمها بقوله أن هذه الأساطير اليونانية: "هي باقة من الزهور والورود قطفتها لك من بستان الكون ومن فوق قمم جبال الألمبيوس حيث يتربع كبير الآلهة زيوس على عرشه الضخم المطعم بالزبرجد والياقوت والمرجان وسائر الأحجار الكريمة. إنها مجموعة من بستان الأدب العبق تنقلك إلى دنيا الحب والعشق والغرام، تنقلك غلى عالم الخيال والأحلام.."
يبدأ الكاتب بالحديث عن نشأة الأسطورة الإغريقية وعن رأي علماء النفس في نشأتها فمنهم من جعلها رمزا للقوة النفسية والأخلاقية أو مظاهر الطبيعة كأسطورة إيزيس وأوزوريس، وبعضهم يرجعها لأحداث تاريخية شبه حقيقية تحولت لأساطير كما يتحول الأبطال الشعبيون في مخيلة الفنان القديم إلى آلهة مثل ملحمة جلجامش السومرية. ومنهم من يرى أن الأساطير وضعت لتفسير الشعائر الدينية التي يتوارثها البدائيون ولا يفهمون معناها فتخلق الأسطورة كقناع عقلي تبريري.
ثم سيحكي لنا الكتاب عن زيوس كبير الآلهة الذي قتل أباه ليستولي على الحكم، والذي اغتاظ من الإنسان فخلق له المرأة بندورا بكل صفاتها الفاتنة وأعطاها صندوقا انطلقت منه عذابات البشر من جهل وفقر ونفاق ومرض على هيئة خفافيش، انطلقت بعدها فراشات صغيرة تمثل الأمل.
ومن ثم سيسرد لنا الكاتب قصة كل آلهة، عن زيوس وزوجته هيرا، عن ابنهم هيرموس (اللص الصغير)، عن بوسيدون (إله البحر)، وحكاية الراعي الشاب باريس والتفاحة الذهبية التي تنازعت عليها أفروديت وهيرا وأثنينا، سيحكي عن هستيا شقيقة زيوس، وآريس (إله الحرب)، وعن بيجماليون الفنان الذي صنع تمثال امرأة هام بها حتى طلب من الآلهة فينوس أن تبعث فيها الحياة! ثم ينتقل للحديث عن خيانة زوجة مينوس ابن الإلاهة أروبا، ومولد المينثور الذي حبسه مينوس في دهاليز محكمة حتى قتله تازة ابن ملك أثينا.
ويسوق لنا الكاتب تفاصيل حرب طروادة وكل الشخوص التي ارتبطت بها في جو مفعم بتفاصيل الغدر والخيانة والحب والوفاء الذي عاشته أغلب آلهة الإغريق، فهناك سيبيل وسيكي وأثنه إلاهة الحرب، وناركيسوس عاشق نفسه، وبريسيس وأبولو وبرسيفوني، كلهم عاشوا معاناة قاسية تقلبت بين الحزن والرغبة في الانتقام.
استغرقت هذه الأساطير288 صفحة مزودة بصور تماثيل بعض الآلهة، حيث صدر الكتاب 2008 عن دار كتابنا للنشر بلبنان، وعنه يقول الناشر "إن الأسطورة عند شعب معين صورة صادقة تعكس عقلية هذا الشعب وتفكيره ومعتقداته، كما أنها مجمع الفضائل والقيم الإنسانية العليا. ففيها الوفاء والحب والإخلاص، وفيها الصداقة والعطاء، وفيها البذل والتضحية"
كانت هذه ومضة سريعة حول كتاب غارق بأساطير عجيبة، والأعجب أن بعضها كنا شاهدنه رسوما على شاشة التلفاز عندما كنا صغارا خاصة مغامرة أوديسيوس وبحارته مع الوحش ذو العين الواحدة (الكيكلوبس) الذي حبسهم في كهفه مع خرافه وجعل منهم وجبات طعام له، حتى استطاعوا غرس عمود مدبب في مقلته أفقدته البصر، واستطاعوا الهروب منه بالتعلق أسفل خرافه، وأكمل بعدها أوديسيوس رحلة العودة لوطنه!!


الاثنين، 23 أبريل 2012

في حياتي كتاب/ رحلة الشتات والصين

رحلة الشتات والصين
عدنان جابر الربيعي

رحلة الشتات والصين الرحلة الرائعة ذات الفن الجميل والتعبير الرقيق التي جابت بنا أرجاء الصين الرحبة، تحدثنا عن تاريخها وحضارتها، فنونها وأعيادها، حدائقها وجامعاتها.. وعن طعم الغربة المرير في نفوس كاتبها العراقي وعائلته الصغيرة المكونة من زوجته وابنته، رحلة البحث عن العلم واكتشاف حضارة هذبها فكر أحد أشهر فلاسفتها "كونفوشيوس".
هذه الرحلة الماتعة الحزينة ستنال دون جدال إعجاب قارئها والمطلع على حروفها الرنانة، هذه الرحلة لن يعبر عن جمالها غير كلمات صاحبها الذي عرفها بقوله: " أثارني في تلك البلاد تعدد أعيادها، وتنوعها بتنوع قوميات شعبها التي يصل عددها إلى 56 قومية. ووجدتُ وأنا أبحث في حضارة وثقافة الصين وتراثها القومي عشرات الأساطير والقصائد والقصص الشعبية والعادات والتقاليد. وقد ساعد الانغلاق الذي عاشته الصين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أواخر السبعينيات من القرن الماضي على الحفاظ على ذلك التراث وعلى تلك التقاليد ومنها ارتباط أكلات خاصة في جميع مناسبات الفرح والحزن والاحتفال مثلا برأس السنة الصينية دون الاحتفال برأس السنة الميلادية! وعدد كبير من الأعياد التي يعتز بها ذلك الشعب المسالم.
هذا الكتاب: تدوين ليومياتي في الصين، الذي ضم ثلاثين قسما من أقسام اليوميات حملت عنوانا أوليا هو (على ضفاف نهر اليانغتسي) لكونها كتبت في مدينة (ووهان) التي يمر عبرها نهر اليانغتسي  أطول أنهار الصين وثالث أنهار العالم.
اعتمدت في كتابتي لتلك اليوميات على مصادر عديدة أهمها معايشتي الشخصية للأحداث ومحاوراتي مع الأصدقاء والأساتذة الصينيين، وكنت أستعين بالبحث في الأخبار والتقارير والمعلومات العامة الموجودة في ثنايا المواقع الصينية المكتوبة باللغة العربية والإنكليزية محاولا تكوين فكرة عن كل مكان زرته أو حدث أو لقطة عابرة، أو مناسبة من المناسبات"
يميز الكتاب براعة كاتبه في الوصف والتعبير فضلا عن لغته التي لا تخلو من طرافة وفكاهة، ولن يغفل أي قارئ لسطوره عن تلك المقارنة الجلية بين ما يشاهده الكاتب في الصين وبين حياته وحضارته في أرض العراق، مقارنة ثرية حزينة غيورة طامحة تمتزج في كل لحظة تحاول عائلته خلق جوهم الخاص لكل مناسبة إسلامية عربية في قلب البيئة الصينية.
نشر الكتاب ضمن سلسلة الآخر التي تصدرها دار الدوسري للثقافة والإبداع عام 2011م، وبدأ تدوينها عام 2007م وانتهى 2008م، وقد وعد الكاتب في سطوره الأخيرة بإكمال يومياته في كتاب آخر بعنوان (على أكتاف سور الصين العظيم).

في حياتي كتاب/ ملاك جروزني

ملاك جروزني
بارقة أمل في ظلمة الشيشان

يتحدث كتاب "ملاك جروزني.. بارقة أمل في ظلمة الشيشان" عن تلك المنطقة المنسية تقريبا في ذاكرة العالم، المقهورة تحت وطأة الظلم الروسي، هذا الحديث تحكيه لنا الكاتبة آسني سييرستاد مؤلفة الكتاب الذي حقق أعلى المبيعات: "بائع الكتب في كابول".
غلاف الكتاب يحاول باختصار أن يتحدث عن كنه السطور المعذبة داخل صفحاته، فيقول: "في الساعات الأولى من ليلة رأس السنة عام1994م، غزت القوات الروسية جمهورية الشيشان. فاقتحمت البلاد بعد نزاع طويل ودموي لا يزال مستمرا إلى يومنا هذا.
كانت كاتبتنا تعمل حينئذ مراسلة أجنبية في موسكو. فسافرت بشكل منتظم إلى الشيشان لتنقل أخبار الحرب وبينت تأثيرها على أولئك الذين يحاولون أن يعيشوا حياتهم اليومية في غمرة العنف!
في عامي 1997 و1997 عادت إلى الشيشان سرا، وعرضت نفسها للأخطار شتى. كانت المأساة في الشيشان ما تزال مستمرة، ولكن انتباه العالم كان قد تحول إلى صراعات أخرى، فتقابل كاتبتنا في هذه البلاد المحطمة والمخربة الأيتام والجرحى والضائعين. تقابل أطفال جروزني الذين سيعيدون صياغة مستقبل بلادهم، ترى ما الذي يحدث لطفل يكبر والحرب تكتنفه من كل جانب، وينمو وهو معتاد على العنف الذي دمر طفولته، وحرمه منها؟
يرسم هذا الكتاب صورة مؤثرة وحميمية تفطر القلب قفي أغلب الأحيان عن حال الشيشان اليوم. ويقدم كتاب ملاك جروزني أيضا وصفا حيا لتاريخها المشوب بالعنف ومعركتها المستمرة من أجل الحرية"
ما زلت في الصفحات الأولى من الكتاب رغم اقتنائي له منذ عام تقريبا انشغلت عنه بكتب أخرى، أو أن الحقيقة أني كلما بدأت بصفحاته أتركه خشية مواجهة الهول الدامي داخله!
صدرت النسخة العربية منه في عام 2009 مترجمة عن النص الإنجليزي عن دار العربية للعلوم ناشرون، وصاحبته آسني سييرستاد  حاصلة على العديد من الجوائز بسبب أعمالها الصحفية، وكانت تعمل مراسلة من مناطق تمزقها الحروب أمثال: الشيشان، والبلقان، وأفغانستان، والعراق. وهي تتقن خمس لغات وتعيش حاليا بالنروج.
ألف تحية لها ولأمثالها الباحثين عن الحقيقة لعرضها على الناس البعيدين عنها قلبا ومكانا..وأتذكر:
جروزني كلما سكنت جراح كنت سكينا... تعيد اليأس للباغيين تنكأ جرح صهيونا


الثلاثاء، 10 أبريل 2012

في حياتي كتاب: عصي الدم لمنهل السراج


"عصي الدم، رواية عن التاريخ المحرم لمدينة حماة السورية، عبر جميع أطراف الحكايا المتعددة لكل فرد من أفراد أسرة هذه المدينة" أسرة أبو أيمن وزوجته سعاد التي ينتهي بها الحال لوفاة أبو أيمن بجلطة، ولتغرب أبنائه وعدم قدرتهم للعودة للوطن الحنون، فمخلص في انكلترا، وأيمن في السعودية، وفداء في استوكهولم، وبقيت بشرى ولينا وسمر في حلب وحماة، بينما غدرت غادة الحياة والوطن انتحارا بعد حالة اكتئاب كانت نتيجة عوامل متعددة بعد آثار أوجاع حماة عام 1982م، عبر هذه الشخصيات بتوجهاتها الدينية والسياسية والاجتماعية "تُظهر اختيارات كل منهم أوجاع النفس الإنسانية وأعماقها الدفينة"
الرواية للكاتبة منهل السراج، من إصدار دار الآداب 2012م م، ومنهل السراج رؤائية سورية تقيم في استوكهولم. صدرت لها العديد من الروايات: كما ينبغي لنهر، جورة حواء، على صدرين فضلا عن نشرها للعديد من المقالات التي تتناول الشأن العام السوري.
لن أقف عند تحليل الرواية ولا أمام عمق المأساة التي روتها بالتفصيل، سأقف فقط عند بعض الفقرات التي تتفجر من عباراتها إحدى القضايا التي طرحتها الرواية بقوة وعالجتها بواقعية وأسى. من خلالها ستتضح لكم معالم وأجزاء من رواية عصي الدم.
تتحدث الرواية ص150 عن ضحايا القصف، منهم التاجر منهم الصادق والكاذب، المخلص والخائن، الغني ذي الحسب والنسب، والفقير المعدوم... تقول:".. ومن بينهم أيضا مراهقون لم يلحقوا أن يفعلوا ما يفعل الآباء، لكن ذنبهم كان كبيرا، مقتلهم كان حماسهم، مقتلهم أن الأهل لقنوهم أن الدم الحامي كرامة وأن النخوة كرامة وفعلوا تماما كما لقنوا، وقتلوا ودفنوا وطمروا"
" كم العدد؟ قيل، ثلاثون ألف قتيل، وقيل أربعون ألفا، ومع أن المجال بين الرقمين واسع إلا أن كلمة الآلاف هذه كانت ضئيلة أمام ما حفر في ذاكرة الناس والمدينة من ذل وقهر.."
لعل في هذه المشاهد والتعابير أوج المعاناة التي شهدتها حماة آنذاك، ولعل في سابقتها أسباب شدة هذه المعاناة.. الشباب الذين خدعوا بالكلمات.. الكلمات التي لا تتمثل في تلقين الأهل بل أيضا في الجماعات المنظمة التي استولت على كيانهم والتي تتجلى مظاهرها في حياة أيمن وغالب اللذان انتهى حالهما بالهرب من سورية بعد اكتشافهما لزيف المبادئ التي قاتلا من أجلها، هرب بلا رجوع للوطن.. هذه كانت قضية الرواية الثورة وآلمها التي بدت باقي المحافظات متجاهلة لها كما عبرت الرواية.
بعد الأحداث ص177" سارعت فداء في أول فرصة لمغادرة المدينة، التحقت بمستشفى للاختصاص، تريد أن تنهي علاقتها بالمدينة التي لم تعد تعني لها إلا الموت والخوف، حدث بداخلها تغيير كبير، لم تعد تكترث لسماع أخبار العالم كما كنت تفعل، لم تعد تكترث إطلاقا بأخبار فلسطين التي كانت تحصي شهداءها كل يوم.."
التغيير الذي أصاب فداء هو جزء آخر من التغير الذي أصاب كل فرد من أفراد القصة، فدفعه ليشق طريقا غير الطريق التي اعتادها أو نشأ عليها، حتى أخواتها تغير بهن الحال، وتغير تفكيرهن، وعانت غادة بشدة من جراء التناقض التي نشأت عليه والواقع المحيط بهن في عرف المجتمع، هذا التناقض الذي دفع الأب في آخر لحظات حياته أن يسأل: هل ظلمت البنات؟
الأخوات الخمس في ظل هذه الأحداث الدامية حكاية أخرى، فقد رباهن الأب على حياة الكتب وطلب العلم والثقافة وطموح الحصول على الشهادات العالية يدفعه في ذلك قلة جمالهن وسمرة بشرتهن! أجبرتهن الأحداث للسفر للسعودية حيث أيمن وزوجته الشقراء الفاتنة.. ص190"..أدركت أن السبب الرئيس لمغادرتهم هو زوجة أخيهن وتشاوفها، المرأة الشقراء ذات البشرة البيضاء، وهنَّ البنات السمراوات اللواتي لم يطرق بابهن عريس، وهن بالتأكيد بلون الجلد وبدون عريس أقل شأنا، وتحولت شهادة الطب التي تحملها الكبيرة وشهادة التجارة للتي تليها ومشروع الطبيبة للثالثة، كله تحول إلى نقمة عليهن، فالعريس فقط هو القيمة الحقيقية في عرف الناس"
هذه القضية مطروحة من بداية الحروف الأولى للرواية لآخر حرف، الزواج الأمر الوحيد المعترف به في عرف الناس مهما بذلت الفتاة من تفوق علمي فشأنها ورفعتها الاجتماعية في الزواج أيا كان هذا الزوج!! فبرغم أن هذه القضية انمحت تدريجيا بزواج فداء البنت الكبيرة بزميل طبيب لها ومن بعدها تزوجت باقي أخواتها، إلا أن ثمن هذا العرف بين الناس كانت فداء وحدها من دفعه غاليا، فزوجها كان بخيلا متحررا الأمر الذي لم تكتشف فظاعته إلا لاحقا، عانت وحدها حتى أنجبت ولدا بعد رحيلهم للسويد، زوجها من توظف وجعل يركض لاهثا بحثا عن المكانة الاجتماعية له في السويد، هي وحدها تحملت جفاءه حتى انفصلت عنه لتعيش في بيت يعتمد على الإعانات المقدمة للمهاجرين مع طفلها الصغير، مجاهدة أن تبني ذاتها في الغربة بعد أن سحقتها التحولات التي ألمت بحياتها، ومنعها من العودة للوطن بسبب رسالة بريدية لم تظن أن كبسة زر فقط ستحرمها الوطن والأهل للأبد.
ومضت السنوات وتفرق الشمل، ص225:"ظلت المدينة لسنوات عديدة حارات فارغة، يائسة مقهورة.... صارت أسعار البيوت لسنوات بعد الأحداث، بسعر التراب، يقال رخيصة كتراب المدينة وأرواح أهلها. يقال، نحن وترابنا رخيصون. كثيرون تركوا وهاجروا وكثيرون هاجروا ورجعوا، ومع الهجرة والعودة لم يحدث شيء إلا المزيد من البؤس واليأس"
ملخص الألم لسنوات طويلة... تحكي القصة أحداث مؤلمة، وبطريقة جيدة تعبر الكاتبة عن الاتجاهات التي تعيش في المجتمع السوري آنذاك.. المسلمون، الشيوعيون، النظام، وغيرهم عبر اهتمامات كل فرد من أفراد العائلة التي انتهت بالتمزق والتشتت.

الاثنين، 6 فبراير 2012

في حياتي كتاب: الحب في التصوف الإسلامي

الحب في التصوف الإسلامي
ابن عربي نموذجا

كانت لحظات ممتعة زاخرة بالأفكار حين اطلعت على كتاب (الحب في التصوف الإسلامي.. ابن عربي نموذجا)، إذ أنه يناقش موضوعا مطروحا بشدة في كل ما حولنا، لكنه يناقشه بعين الدارس والناقد، وليس هكذا بل عند جماعة كونوا فلسفتهم الخاصة نتاجا للعديد من الظروف المتباينة، وهو أهل التصوف، وتمثل هذا الموضوع (الحب) بجلاء عندهم حين اتخذ الدارس (يحيى محمد راضي الشقاق) ابن عربي نموذجا..
يقول المؤلف في مقدمته: "لقد حاولت الفنون إحياء الحب في النفوس ولكنها بقيت تحفة ترفيهية، وحاول الشعر الحض على إقامة دولة الحب الإنساني فكان مصيره الالتحاق بجمهورية أفلاطون، وحاولت الفلسفة تعميق رؤية الحب ولكن الفلسفة نفسها نفيت إلى أرشيف معزول مع هيمنة سياسية الفوضى الخلاقة، وهناك محاولة مختلفة من خارج الثقافة السائدة بدأت من الهوامش والزوايا تعيد ترتيب وجود آخر في خفايا أعماق الإنسان، فكان من الطبيعي أن يأتي الخطاب مستغربا خارجا على ظاهر النص في انزياح عن المألوف، وكان من الطبيعي أن يواجه بالإنكار نتيجة المماحكة المستمرة بين "نجدين" قلما ينسجمان، أحدهما يقف عند حدود الظاهر، والآخر يجنح نحو مغامرات الباطن، فكان هذا الآخر "التصوف" الذي لم يعد مجرد وجدانيات روحية، وإنما تطور إلى منهج معرفي لا يعتمد ظواهر النقل، ولا يقف عند قوانين العقل ولا يخضع لمدارك الحس.."
ونستطيع من خلال السابق التنبه لأسباب قيام هذه الدراسة التي اشتملت على ثلاثة أبواب:
حيث قدم الباب الأول الحب برؤية عامة عبر قراءة التراث والقرآن الكريم، ثم قراءة بعض الأثر الفلسفي والصوفي، في محاولة لرصد تحولات مفهوم الحب قبل ابن عربي وإبان عصره، وكذلك لأهمية هذا التمهيد في تفسير الأبواب الأخرى.
أما الباب الثاني فيتناول أساسيات الحب عند ابن عربي، من تحديد وأقسام وآثار وأوصاف، مقارنا بين الآراء.
والباب الثالث ناقش بعض القضايا الإشكالية في الحب، إذ توقف عند أهم نظرياته وتأثيرها في الحب والعلاقة بين الوجود والفناء، وأثارها في دين الحب والجمال وما يترتب على ذلك من آثار فكرية وأخلاقية.
صدر الكتاب 2009م عن دار الهادي ببيروت ضمن سلسلة رسائل أكاديمية، لصاحبه يحيى الشقاق، ويقع في357 صفحة، ويشمل في بدايته تعريفا موجزا بابن عربي.

السبت، 28 يناير 2012

في حياتي كتاب4:العبقري بداخلنا جميعا



عندما كنت أقرأ ملحق البيت العربي بمجلة العربي عدد يناير2012م، وجدت قراءة لكتاب أعجبني مضمونه واقتنعت كثيرا بما جاء فيه.. "من دون استثناء العباقرة يصنعون ولا يولدون" هذه الحقيقة التي يحاول كاتب الكتاب: ديفيد شينك اثباتها. مما ورد في القراءة الفقرة الآتية:

"والمحصلة: أن الموهبة عملية منهجية تفاعلية وليست مجرد كيان منفصل في مخ الإنسان. ولا يمكن لأحد أن يبلغ مكانة من العظمة على مستوى العالم إلا إذا كان لديه هذا المزيج من الجينات المحتملة ورغبة عميقة محركة وملزمة في النجاح".

وهذا رابط الموضوع.. استمتعوا بقراءته 

 لماذا كل ما قالوه لنا عن الجينات والموهبة واختبارات الذكاء خاطئ؟

الجمعة، 2 ديسمبر 2011

في حياتي كتاب2


غواية المجهول
عمان في الأدب الانجليزي

"صورة عمان في الأدب الإنجليزي مختلفة كليا عن هذا الحضور الضامر في الأدب العربي، إنها صورة تكاد تستغرق كل أجناس الأدب الإنجليزي، من شعر وقصة ورواية ومسرحية ومقالة وأدب رحلة. ويقف المرء مندهشا من ثراء هذه الصورة وتلونها من عصر إلى آخر"
بهذه الكلمات قدم الدكتور هلال الحجري ـ الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية وآدابها- إصداره الجديد "غواية المجهول.. عمان في الأدب الإنجليزي" الذي طبع بطبعته الأولى 2010 في مؤسسة الانتشار العربي بدعم من النادي الثقافي بالسلطنة.
يهدف الكتاب إلى دراسة صورة عمان في الأدب الإنجليزي كما وضح مؤلفه في مقدمة الكتاب، تلك الصورة المغايرة كليا للصورة الحاضرة في الأدب العربي، مما دفع مؤله لاختيار اسم "غواية المجهول" ليدلل به عن رغبته في الكشف عن السر الذي أغرى الأدباء الأوروبيين والأمريكان للكتابة عن بلد غارق في العزلة والصمت مثل عمان! منتهيا إلى أن سحر المجهول ومكيدته وغوايته يفعل فعل السحر في نفوس الأدباء والشعراء والرحالة ويدفعهم لاكتشافه والكتابة عنه!
يحتوي الكتاب على ثلاثة فصول، تتضمن نصوصا اختارها المؤلف وترجمها من الأدب الإنجليزي، تتصل بعمان مكانا وشخوصا وثقافة. الفصل الأول يعنى بمجال الشعر ويتضمن نصوصا لشعراء مشهورين ومغمورين كتبوا عن مسقط وهرمز وظفار والربع الخالي وبحر عمان، كما يتضمن شعرا في مديح السيد سعيد بن سلطان وجياده العربية، وكذلك قصائد من الشعر الإنجليزي الحديث تصف أمكنة وأنماطا ثقافية في سلطنة عمان في الوقت الحالي.
أما الفصل الثاني فيعنى بالرواية، وقد ناقش فيه المؤلف رواية الكاتب الإنجليزي هامند إنس "عمان الواحة الذهبية" التي تدور أحداثها في عمان خلال الخمسينات من القرن العشرين، ونشرت أول ما نشرت بلندن 1960.
وأتى الفصل الثالث للحديث عن أدب الرحلات، بالنظر لكونه جنس أدب مستقل في الأدب الغربي يتميز بالثراء، فعمد المؤلف لعرض تفصيل وصفي لأهم الرحلات البريطانية في عمان، وانتقى نموذجا لها ممثلا في رحلة القنصل البريطاني صمويل مايلز إلى الجبل الأخضر سنة 1876م.
الجدير بالذكر أن الكتاب يتميز بلغة أدبية راقية، ويتضمن نصوصا شائقة ماتعة تدفع القارئ إلى الوقوف عليها والتأمل في تحليل المؤلف لها، ويمثل الكتاب دراسة مهمة تضاف لسجل الدراسات المتتابعة حول الأدب العماني أو المتصلة بآثار عمان وأدبها في الآداب الأخرى.

في حياتي كتاب1

عين وجناح... متعة الترحال والسفر
تعدُّ رحلة عين وجناح لكاتبها محمد الحارثي من أجمل المؤلفات في مجال أدب الرحلة وأكثرها إمتاعًا وطرافة بل وأهمية ، فهي إضافة مميزة للأدب العربي الحديث عامة والأدب العماني خاصة، وهي الرحلة الحاصلة على جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي2003م التي تمنحها دار السويدي للنشر والتوزيع للرحلات الحديثة رغبة منها في إحياء هذا النمط من الأدب الذي كاد أن يتلاشى من مكتباتنا.
ويأتي سبب فوز هذه الرحلة بالجائزة من بين 14 كتابا لكتاب جلّهم من المعروفين، وبعضهم مشهور في الثقافة العربية، رغم أنه المؤلف الأول لصاحبه في هذا المجال، إلا أن جمال اللغة وأناقتها واتساع رقعة التجوال والسفر التي شملت أربع قارات، فضلا عن الحضور الطاغي للخبرة الروحية والعلمية بالمكان والشغف به، كانت المؤهل لأن تنال هذه الرحلة الجائزة باستحقاق.
ولقد صدرت هذه الرحلة عن دار السويدي بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام2004م، أن الطبعة احتوت على بعض الأخطاء مما دفع المؤلف لإصدارها مرة أخر منقحة مزيدة عام2008م عن دار الجمل.
يضم الكتاب ست رحلات متنوعة ومتباينة وممتعة في الوقت ذاته، سجل فيها المؤلف تفاصيل رحلته في الجزر العذراء، وزنجبار، وتايلاند، وفيتنام، والأندلس، والربع الخالي. وتشترك جميع هذه الرحلات في الهدف الذي لا يكون غالبًا إلا حب المغامرة والسفر واكتشاف مجتمعات البلد المزار.
 ولعل ما يزيد من إمتاع الرحلة وثرائها، أن الكاتب يعمد إلى إبراز فلسفته الخاصة بأسلوب سلسل بين ثنايا كل رحلة، فضلا عن لغته الطريفة التي تجذب القارئ للكتاب وتدفعه لقراءته حتى الصفحات الأخيرة، وقد ميز الكاتب رحلته بكمٍ هائل من المعلومات التاريخية عن البلد المزار مما يؤكد للمتلقى سعة إطلاع المؤلف وتعمقه في البحث عن تفاصيل مميزة عن البلد الذي يكتب عنه.
كما أن المؤلف يثبت من خلال ما يرصده من مشاهدات وما يقع فيه من مآزق أنه ليس ذلك السائح العادي الذي يكتفي بزيارة ما يراد له أن يراه فقط، لكنه يعمد إلى محاولة سبر أغوار المجتمع الذي يزوره ويحاول أن يمارس شيئًا من عادات أهله حتى يتقرب إليهم، وهو يمتلك من الجراءة ما يدفعه لزيارة أماكن خطرة لا يتجرأ الزائر العادي على دخولها، فنجده يجول في الشوارع الضيقة والأزقة الخطرة ليلا، ويزور الأحياء الفقيرة مصرحًا بحبه للقيام بذلك مهما اكتنف الأمر من أخطار!
وسنجده مهتمًا جدًا بزيارة الأماكن الدينية مثل المساجد والمجامع والمعابد وكذلك بعض القصور مثل بيت العجائب بزنجبار والقصر الصيفي للإمبراطور " باو داي" في فيتنام وغيرها ، ويصف جمال منظرها ويذكر شيئًا من تاريخها، ويزور الأسواق الشعبية ويبدي دهشته من تعدد أصناف الفواكه والخضروات التي لا يكاد يعرف شيئًا عنها! وهذا مما يجذب القارئ للرحلة، فهي حافلة باللمسات الغرائبية التي تبهر المتلقي. ولعل من أطرف الأمور أن المؤلف يحاول التنقل بين المناطق بالمواصلات البسيطة التي يستقلها سكان البلد المزار متجاهلا السيارات والطائرات المريحة متحملا معاناة تعطل المركبة، والزحام والبطء الشديد!
ولعلنا نستطيع أن نقول إن أجمل رحلات هذا الكتاب هي رحلته إلى فيتنام، حيث تفرد بها عن غيره من الرحالة الذين دونوا رحلاتهم، ففيتنام ليست البلد الحاضرة بقوة في صفحات أدب الرحلة العربي، كما يبرز لنا من تفاصيل هذه الرحلة مدى تفاعل المؤلف مع أهل هذه البلد البسطاء، وكيف تقبل فرحتهم بزيارته لأحد أحيائهم الفقيرة حين بدا لهم ذلك " المليونير" الذي يستحق التهافت عليه والذي يستحق أن يكرم لأنه ضيف الحي بأكمله. كما سنجده يلتقي بشخصيات مميزة في هذه البلد، منها ذلك الراهب الذي يكاد يكون متضلعًا في تاريخ عمان وحرب ظفار ومجريات الأحداث، مما أدهش المؤلف! وهذه اللقاء هو كفيل بإدهاش القارئ أيضًا، وهذه النبرة المغلفة بالغرائبية هي المطلوبة في أدب الرحلة عامة، وهو ما يبرز أهم لفتة في هذا النمط من الأدب التي تتمثل في تلقي كل طرف للآخر على اختلاف طبائعهم وعاداتهم وهو أمر يصعب وصفه أو تصوره في هذه الأسطر المعدودة ما لم يتطلع القارئ بنفسه على هذه التفاصيل خاصة في رحلة المؤلف إلى فيتنام.
ومما يعزز ثراء هذه الرحلة زيارة المؤلف إلى متحف الحرب الذي يعرض فيه الفتناميون الفظائع التي ارتكبها الأمريكان على أرضهم، حيث يتخذ المؤلف من ذلك منطقًا لسرد بعض التفاصيل المتعلقة بحرب فيتنام، ومن ثم يقارن الوضع مع الدول العربية. وسنلاحظ أن المؤلف كثيرًا ما يشير لنقاط المقارنة بين البلد المزار والوطن العربي خاصة بلاد المغرب العربية التي تتكرر في رحلته بصورة واضحة أكثر من ذكره لعمان في مرجعياته ومقارناته، ويبدو السبب في ذلك أنه مكث في المغرب مدة زمنية طويلة جعلتها تقفز إلى فكره فور رؤيته ما يمثل تقاربًا بينها وبين أي حدث في البلد المزار.
رحلة عين وجناح رحلة ثرية جدًا، وفي كل فصل منها ما يميزه عن الآخر وما يدفع القارئ لإعادة الاطلاع عليه، فقد استطاع المؤلف أن يمزج فيها متعة السفر ومغامرة الاكتشاف وجمال اللغة والأدب بجميع صوره، حيث نجده يضمن قصائدًا وأشعارًا ومقولات ومقتطفات بين ثنايا كل رحلة، بحيث يعرض للمتلقي  صورة متنوعة للبلد المزار، صورة تفيض بروعة أدبها وغرائبية بيئتها وبساطة أهلها وأصالة عاداتها، وهذه التفاصيل هي ما تؤثر في نفس المتلقي وتجعله راغبًا في تحقيق زيارة مماثلة، وحتى وإن يتحقق له ذلك، فرحلة عين وجناح تمنحه شيئًا عن ذلك البلد البعيد المنال عنه.