السبت، 27 يوليو 2013

ظاء أم ضاد؟


حدث ذات مرة في مناقشة من مناقشات خطط رسائل الدراسات العليا بقسمنا قسم اللغة العربية وآدابها، أن خطأ أحد الأساتذة الطالب المناقش في كتابته لكلمة (متضافرة) بالظاء (متظافرة) لا بالضاد مبينا أن الصواب هو كتابتها بالضاد، في تلك اللحظة تذكرت أستاذ اللسانيات ـ الذي أرهقناه ببحوثنا المغمورة بالأخطاء الإملائية قبل المنهجية والعلمية! ـ حين صحح لأحد الطلبة كتابته لكلمة (متضافرة) بالظاء معلقا باستغراب أنكم أهل عمان تشيع عندكم هذه الكتابة الخاطئة (متظافرة) والصواب (متضافرة).
اهتزت هذه المعلومة الجديدة فور أن صرح أحد الأساتذة الأفاضل في المناقشة بأنه سبق أن حقق في طريقة كتابة هذه الكلمة وأن كتابتها (متضافرة) بالضاد أو (متظافرة) بالظاء صحيحة بشهادة المعاجم! وسارع أحد الأساتذة المغاربة بتأكيد هذا الأمر، وهذا يعني أن لغتنا الثرية تسمح لك باستخدام حرفين متقاربين لكتابة كلمة واحدة بالمعنى نفسه، وهي اللغة نفسها التي إذا غيرت حركة حرف واحد في كلمة تغيرت دلالتها ومعناها!
عدت إلى المعاجم لأنظر في هذه الكلمة التي فجأة صارت عندنا صحيحة بالحرفين! فوجدت في لسان العرب "يقال تَضَافَرَ القومُ على فلان وتَظافَرُوا عليه وتظاهَروا بمعنى واحد كلُّه إِذا تعَاونوا وتَجَمَّعُوا عليه، وتأَلّبُوا وتصابَرُوا مثلُه."
بعد أن اكتشفت حقيقة كلمة (متضافرة/ متظافرة)، قررت أن اكتشف حقيقة كلمة (باهظة)! ذلك لأنه طلب مني مراجعة إحدى المجلات الصادرة بالجامعة، وفيها وجدت الطلبة يكتبون كلمة (باهظة) بالضاد هكذا (باهضة) وحينها انتابني شك في كتابتي فمن كثرة الأخطاء التي أقابلها بدأت أصاب بالعدوى! وأذكر أنني حينها أرسلت لأختين متفوقتين أسأل عن الكلمة في الوقت نفسه الذي كنت أبحث في الشبكة لعدم توافر المعاجم الورقية عندي حينها، فأكدتا لي أنها (باهضة) بالضاد لا بالظاء، وأكدت لي إحداهما أنها منذ خلقت وهي تعرفها وتكتبها بالضاد، في حين كنت أنا أكتبها بالظاء منذ خلقت!
وحين عدت إلى الكلية وجدت صديقة لي وسألتها لتسعدني أنها هي الأخرى منذ خلقت تكتب باهظة بالظاء لا الضاد، فما الصواب؟ عدت إلى مجموعة من المعاجم لتحري الكتابة الصحيحة للكلمة:

"بهظ (لسان العرب)
بَهَظَنِي الأَمْرُ والحِمْل يَبْهَظُني بَهْظاً: أَثقلني وعجزت عنه وبلغ مني مَشَقّة، وفي التهذيب: ثقُل عليّ وبلَغ منِّي مشقَّتَه.
وكلُّ شيء أَثقلك، فقد بَهَظك، وهو مَبْهُوظ.
وأَمر باهِظ أَي شاقٌّ. قال أَبو تراب: سمعت أَعرابيّاً من أَشجع يقول: بَهَضني الأَمر وبهظني، قال: ولم يتابعه أَحد على ذلك."

"بهظ (الصّحّاح في اللغة)
بَهَظَهُ الحِمْلُ يَبْهَظُهُ بَهْظاً، أي أثقله وعجز عنه، فهو مَبْهوظٌ.
وهذا أمرٌ باهِظٌ، أي شاقٌّ."


"بهظ (مقاييس اللغة)
الباء والهاء والظاء كلمةٌ واحدةٌ، وهو قولهم بَهَظه الأمرُ، إذا ثَقُل عليه.
وذا أَمْرٌ باهظ."

"بَهَظَه (القاموس المحيط)
بَهَظَه الأمرُ، كمنع: غَلَبَه، وثَقُلَ عليه، وبَلَغَ به مَشَقَّةً."

"بهظه (المعجم الوجيز)

(بهظه)- بهظا: شق عليه.
(الباهظ) من الأمور: الشاق."

الملاحظ هو أن جميع العاجم المذكورة تؤكد أن كلمة (باهظة) بالظاء في أصلها (بهظ) ـ على عكس متضافرة التي أصلها الضاد (ضفر) ـ غير أن معجم لسان العرب يورد ما لم تورده بقية المعاجم ".قال أَبو تراب: سمعت أَعرابيّاً من أَشجع يقول: بَهَضني الأَمر وبهظني، قال: ولم يتابعه أَحد على ذلك." وهو بذلك يؤكد وجود استخدام شاذ ونادر للجذر (بهض)، أي يمكننا القول بجواز كتابة (باهظة) بالضاد أيضا وإن كان هذا في اللغة غير مستساغ لقوله: ولم يتابعه أحد على ذلك، في كلمة (بهضني).

يبقى السؤال الآن إذا كانت أغلب المعاجم توردها بالظاء فكيف حدث أن بعضهم منذ خلق يكتبها بالضاد؟!  J

 
حروف عربية

ليست هناك تعليقات: