السبت، 23 مارس 2013

التضحية..!

"كان توجيه الإنسان نحو القيام بدوره أبرزَ قواعد البناء التي يقوم عليها المجتمع المسلم، وكانت التضحية أعظمَ مهمة تَلقَّاها الفرد المسلم في طريق بناء مجتمعه وتنميته، ففي المجتمع الأول ظهَرت التضحية كقيمة من القِيم الضرورية لأجْل بناء مجتمع وقيام الدولة بصورة رائعة فائقةٍ، تُكمل لوحة فنيَّة باهرة، تصِف بجلاءٍ المجتمع المسلم الأُنموذج، فالنصوص تحث والقدوة تُقدِّم نموذجًا عمليًّا، والمسابقة والمسارعة بين الأفراد قائمة بشرفٍ وشوقٍ، والمبادرات تتكرَّر، كلٌّ يسعى بحسب جُهده وإمكانيَّاته.

تولَّت القيادة دور التوجيه والتعزيز والحث والترغيب، كدورٍ نظري، وقدَّمت الأنموذج والمبادرة التطبيقية، كدورٍ عملي، فترغيب بالجنة وبما عند الله، وتَحبيب التضحية للنفس، بما يَحصُل من تفريج الكروب، وتنفيس الهموم عن الآخرين، والحث على القيام بالعبادات ذات النفع المتعدي، وتفضيلها على العبادات ذات النفع القاصر، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، وتعزيز المواقف والمبادرات التي تقدِّم أمثلة حيَّة في التضحية والإشادة بها، وتعظيم فعْلها في نفوس الآخرين، ومن دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثلُ أجور من تبِعه، وقدَّمت القيادة دروسًا عملية في التضحية، فحمَلت الحجارة وشارَكت في العمل، وفي الحرب والحماية والإنفاق.

تنوَّعت التضحية مصدرًا وأسلوبًا وعطاءً، فمصادرها شمِلت القيادات والأفراد، وأساليبها تنوَّعت بين السر والجهر، والجهد الفردي والجهد الجماعي، وعطاءات التضحية اختلَفت بحسب الحال والحاجة، حتى كان عطاء البعض مالَه كله، والبعض وقتَه كله، وهكذا.

غير أن التضحية كانت شعارَ الجميع من أجْل دينهم ومجتمعهم، فلن تقوم مجتمعات وتُبنى دون تضحيةٍ شاملة؛ شمول الحاجات، وشمول الأفراد.

إذًا؛ أزِحْ غبار الزمن، وافتَح مجلدات التاريخ، ومتِّع ناظِرَيك وأُذنيك، وقلِّبها في حدائق ذات بهجةٍ وأنهارٍ عَذبة من نماذجَ متنوعة من التضحيات التي كانت ثمرة تربية قدَّمها المربي الأعظم -صلى الله عليه وسلم- فقام عليها المجتمع الأول، ومن أمثلتها لا حصْرها: كانت هناك حاجة شديدة للمال، فجاء أحدهم بماله كله، فقيل له: ما ترَكت لأهلك؟! قال: الله ورسوله، والآخر جاء بنصف ماله، وثالث جهَّز جيشًا كاملاً من خالص ماله، واشترى بئرًا للمسلمين، ورابع قدَّم أرضًا، ومرة جاء أحدهم بصُرَّة ذهبٍ عجَزت يداه عن حمْلها، حتى وصل الأمر إلى أن أحدهم لَم يجد ما يقدِّمه، فأعلَنها أن مَن تكلَّم في عِرضه، فهو في حِلٍّ؛ صدقةً منه وتعبيرًا عن دوره في تقديم ما يَملِك.

فخُذها مصفحة نقيَّة: لا تنمية بلا تضحيةٍ؛ سواء على مستوى الفرد، أو على مستوى المجتمع.

أخيرًا: أيها التاريخ، قد أسمَعت وصدَقت فيما وصفَت، وأرجو أن تجد آذانًا صاغية وقلوبًا واعية، تأخُذ دروسك مأخذَ الجدِّ، وتجعل منها برامجَ عملية ومناشطَ واقعية، تُعيد بها مجد الأمة، وتُقدِّم النماذج، وتُكثر منها؛ حتى تُصبح علامة عليها، ومَفخرة لها، فالأمة وإن نامت لكنها لم تَمُت.

قال المولى - عز وجل -: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105]".

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/47443#ixzz2ONvsrcRx

ليست هناك تعليقات: