الجمعة، 11 مايو 2012

من قوانين العطاء..لا تكن شمعة

من قوانين العطاء..لا تكن كالشمعة!*

لا ريب أنك ـ يا صاحب القلب الطموح ـ  اتخذت لك مبادئًا راسخة  تمضي بها واثقًا وأنت تشق طريقك في الحياة، ولأنك تعلمت من الحياة أنه بقدر ما تعطي تنال، هذَّبت قلبك على البذل والعطاء والتضحية من أجل تحقيق أهدافك، وجعلت لك شعارات تستحضرها في كلَّ لحظة ضعف قد تمر بك، بل لعل رفاقك من حولك إن راؤك تخاذلت أو تعثرت بعثوا لك كلماتهم التي تستنهض قواك لتعاود الصعود نحو القمة آخذًا بيد من حولك لأنهم زرعوا في فكرك أجمل عبارات العطاء" كن كالشمعة تحترق لتضيء درب الآخرين".
تبدو هذه العبارة أحد قوانين العطاء التي أنتجتها الحياة،  وأقول قوانين لأنه فعلا لا توجد كلمة في قواميس الحياة إلا وتندرج تحتها مجموعة من الاشتراطات التي لو التزمت بها تحققت لك أمانيك، فالنجاح لن يكون إلا بمجموعة من الالتزامات، منها: (البذل، والتعب، والإصرار..) التي ستغدو مع الأيام رواسخ ترافق كلمة النجاح لدرجة تصبح معها قوانينًا إن خالفتها فقدت ما ترنو إليه بسهولة.
وكذلك العطاء، وبكل ما تحمله الكلمة من معاني النبل والرقي، ترافقها التزامات تغدو قوانينًا مع الزمن، وهذه القوانين وإن تباينت من جهة المعطي والمتلقي، فإنها تتكون في الفكر الجماعي نتيجة الظروف والأحداث التي يتشكل من خلالها مفهوم العطاء في أذهاننا، ولأننا اعتدنا ترديد عبارات مشهورة تبدو لنا براقة في ألفاظها، سامية في معانيها، غدت مفاهيمنا مرتبطة بها فإن خالفها الفرد، عادت الجماعة لتذكيره بها باعتبارها الفعل الأمثل الذي إن التزمته صرت ذلك القلب العظيم الذي تنحني له الجباه احترامًا، وإن حدت عنه نظرت لك العيون شزرا، بغض النظر عما قد يلحقه التزامك بمفاهيم الجماعة من أضرار أو إرهاق يوصلك لدرجة التحطم والاحتراق من أجل أن تكون النموذج الأمثل الذي يريده الآخرون!..
إن من الأمور التي تسترعي الانتباه ترديدنا لعبارة " كن كالشمعة تحترق لتضيء درب الآخرين" وهي العبارة التي دائمًا ما تخاطب بها، وتجدها تزين رسائلك البريدية، بل وقد تجدها معلقة على جدران غرفتك، والواقع عبارة في غاية السمو لو نظرنا إليها من جانب المتلقي بما يمنحه من تشجيع للمخاطب وحث لبذل أقصى طاقاته في مساعدة الآخرين، والأخذ بيدهم والرقي بهم بما يملكه من قدرات ومهارات خاصة لو كنت في منزلة القيادة والريادة. فتغدو نصب عينه ويرى فيها واجبًا عليه تأديته إيمانًا منه بأن ما يمتلكه من طاقات هي حق من حقوق الله تعالى يجب أن يرده بمنحه للآخرين. وهكذا مع الوقت تغدو قانونًا لصفة " العطاء" الحقيقي في أجمل معانيه.. الذوبان المصحوب بالإضاءة الناصعة من أجل من تحب.
إلا أن هذه المعاني تغدو وشاحًا خانقًا من جهة المخاطب الذي ستترسخ في ذهنه مفاهيم الذوبان والاحتراق كفعل نقي ما إن يجربه في الواقع حتى يكتشف أنه انمحى من الوجود؛ لأنه قبل أن يكون شمعة،  ونسي أن الشموع تضيء بقوة لمدة يسيرة حتى تذوب فلا يبقى لها أثر ولا تنفع نفسها بشيء، بل يستفيد منها الآخرون فقط، استفادة استغلال يتبعها نكران، فلن يحاول أحد إضاءة الشمعة مرة أخرى لاستحالة ذلك، بل سيبحثون عن غيرها ليمارسوا نفس الفعل الذي يتبعونه بالنسيان، وقلة قليلة من ستظل تذكر مآثر الشمعة المحترقة.
إن هذا القانون من بين قوانين العطاء الكثيرة  متحقق بلا شك في حياتنا، وهو موجود في كلِّ بيئة نستقر بها، حتى بيئتنا الجامعية؛ لأننا نشأنا في ظل فكر يدفعنا لتلقي من حولنا بكلَّ شفافية وطيبة، وحبًا أو سذاجة منا نسخر جلَّ طاقاتنا لخدمتهم قبل أن نكتشف أن شخصنا ذاب وأن شخصهم طفا، وأنهم لم يلتزموا بقوانين العطاء المتوقعة من جانبهم التي تحتم نسبة العمل لصاحبه وتقديره على مساعداته الدائمة بمصداقية تامة.
كم شخصٍ عرفت وقع في مصيدة " كن شمعة " فانتهى بالاحتراق التام أمام عينك وهو صاحب التميز والتألق الدائم الذي يستحق الانتباه له وراعيته من قبل المسؤولين والمعنيين، إلا أنه لم يحظَ بأي تقدير؛ لأن الآخرين الذين بذل جهده لأجلهم مؤثرًا إياهم في كثير من الأحيان ـ علموا أو لم يعلموا، أحسوا أو لم يحسواـ  اكتفوا بالاستفادة من نوره ليمشوا في طريق سهل نير حتى إذا ما بلغوا نهايته نسوا أنهم تركوا من خلفهم قلبًا احترق تمامًا لأجلهم، أو أنهم افترضوا أن ذلك جزء من واجباته فلم يحاولوا تقديم أي مساعدة حين احتاج لهم، ولم يقبلوا بأي تنازل من أجله.
كم موقفٍ مرّ عليك وجدت صاحبك في مأزق فمضيت معه برغم كل مشاغلك وبذلت كل نبضاتك لأجل مساعدته في مذاكرته.. مشروعه.. أعماله، ثم لحظة ردِّ الدين لم تجده قربك وهو الذي همس لك من قبل:  يذكرني فعلك بقولهم" كن شمعة تحترق لتضيء درب الآخرين" فما أجمل عطاءك! تقبلتَ الكلمات وكوّنتْ هي لها منزلا في فكرك حتى إذا ما استيقظتَ ذات صباح، اكتشفتَ أن خطأ عمرك ليس العطاء بما قد ينتج عنه من آثار مريرة في أحيان عدة مشوبة بلحظات الغدر، لكنه في قبولك أن تكون شمعة!!
كن معطاء كالبحر كالغيث بل أشد.. لكن احذر أن تكون شمعة، فالشموع لا تعرف غير الذوبان، والذوبان لا يليق ولا ينبغي لقلبك الطموح. جدد قوانين العطاء في ذهنك بحسب ما تطمئن له روحك واحذر قوانين الآخرين. واجعل عطاءك لذاتك مساويًا لعطائك للآخرين، فالاعتدال خير ملاذ لنفوس الباذلين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المقال الأصلي قبل تعديله لينشر في مجلة زلفى 7 بالجامعة.

ليست هناك تعليقات: