الجمعة، 2 ديسمبر 2011

قصة قصيرة

" حكاية سبعة ألوان"
في يوم من الأيام اجتمعت سبعة ألوان في غرفة لطفلة صغيرة، تعرفت الألوان على بعضها، وأخذت تتقافز هنا وهناك في محاولةٍ منها لاكتشاف مكونات تلك الغرفةِ ذات الجدرانِ البيضاء، فلم تتبين غير سريرٍ ودولابٍ صغيرٍ وضعا في إحدى الزوايا، وبعض الألعاب المبعثرة هنا وهناك..
قررت الألوانُ أن تقضي وقتًا ممتعًا برسمِ لوحةً كبيرةً لتزين بها أحد الجدران، حارت الألوان فيما بينها حول طبيعة هذه اللوحة! ماذا سترسم بها.. بيتًا أم بحرًا أم بستانًا؟
سارع كلُ لونٍ بعرض أولِ فكرةٍ تخطر على باله، فاختلفت الآراء وتباينت، واختلطت الأصوات وعلت، وتصاعدت حدة النقاش، حتى كادت أن تتطور لتشابك بالأيدي؛ فكل لونٍ كان يرغبُ في أن تُرسم فكرته!
وقبل أن يتفاقم الخلاف هتف فيهم اللون الأحمر مهدئًا: مهلًا يا رفاق... هكذا لن نتفقَ على شيء ولن نعمل شيئاً، يجب علينا أن نتناقش بهدوء وروية حتى نصل إلى حلٍ منصفٍ يرضي الجميع، ما رأيكم أن يطرح كل واحدٍ رأيه، حتى إذا ما انتهت الآراء اخترنا الأفضل منها..
وافقت الألوان على هذا القول، إلا إنها سرعان ما تدافعت لتكون أول من يبدأ بعرض فكرته، وكادت أن تتصارع من جديدٍ لولا أن عاود اللون الأحمر الهتاف: حسناً.. كفوا عن هذا.. وليقف كل واحدٍ في مكانه، وهكذا نعرض آراءنا بالترتيب  ولنبدأ من جهة اليمين..
وهكذا تقدم اللونُ الأحمرُ قائلاً: أقترح يا رفاق أن نرسم زورقاً يسير في البحر عند الغروب.. فيبدو المنظر خلاباً عندما يكتسي البحر بلون أشعة الشمس الحمراء..
سرت تمتمات معترضةٌ ورافضةٌ في ما بينهم قطعها اللون البرتقالي وهو يقول: أنا أقترح أن نرسم شجرة برتقالٍ كبيرة تملؤها الثمار الطيبة ويضمها بستانٌ أخضر ٌنضير..
وقبل أن ينطق أحدهم حرفاً هذه المرة تقدم اللونُ الأصفرُ وقال بكبرياء وغرور: الأفضل أن نرسم شمساً صفراءَ مشعة، فهي مصدر الضوءِ والدفءِ ولا غنى لأحد عنها.. فلولا الشمسُ ما استطاعت الكائناتُ أن تحيا على هذه الأرض!.. أظن أن اقتراحي هو الأفضلُ فلا داعي لسماعِ باقي الآراء..
همس اللونُ الأزرق بغيظٍ: متعجرف..
فنظر إليه اللون الأخضر وقال  ناصحاً: دعك منه..
ثم علت نبرةُ صوته وهو يقول بأدب:  أظن أنكم تحبون سماع رأي.. أقترحُ أن نرسم بيتاً جميلاً تحيط به حديقة غناء، فاللون الأخضر كما تعلمون مريحٌ للنظر محبب للنفس..
ثم ابتسم وسأل: ما رأيكم؟
بادلته الألوان ابتسامة مودةٍ وعلق اللون الأحمر قائلاً: فكرة جيدة.. تفضل أيها الأزرق..
تقدم اللون الأزرق بصفائه المعتاد وقال بنبرة قوية ساعدهُ فيها صوتهُ الجهور: أرى أن نرسم بحرًا وسماءً في وضح النهار؛ فاللون الأزرق يحتل الجزء الأعظم من الكرة الأرضية ولا أرى ضيراً أن يحتل الجزء الأكبر من اللوحة..
كان كل لونٍ يحاول أن يحتل الجزء الأكبر من اللوحة معللاً ذلك برأيه وفكرته،رغبةً منه في التميز ولفت الانتباه، وحباً في الظهور والتألق..لم يفكر أحدهم في الآخر، مما دفع اللون البنفسجي للاحتجاجِ بصوتٍ مرتفعٍ قائلاً: هذا ليس منصفاً.. كل واحد منكم يرغب في النصيب الأكبر من اللوحة ولا يفكر في الآخرين..
نظرت له الألوان بعدم قبول لكلماته كونه كشف عما يعتلج في نفوسها، إلا أن اللون الأحمر الذي بدا أكثر حكمة سيطر على نفسه وقال معترفاً بعد برهة صمت: ما قاله كان صحيحاً يا رفاق .. دعونا لا ننكر ذلك ولا نتشاجر من أجله... قل لنا أيها العزيز ماذا تقترح..
نظر اللون البنفسجي إليهم للحظات محاولاً تبين موقفهم منه، ثم التفت إلى صديقه اللون النيلي وأجاب: اتفقت مع اللون النيلي على لوحة جميلة نتعاون فيها جميعاً..
أمسك اللون النيلي الصغير طرف الحديث واستطرد موضحاً: أظن أن علينا أن نرسم لوحة تبهج الطفلة الصغيرة.. سأشرح لكم الفكرة تعالوا اقتربوا..
دنت الألوان السبعة من بعضها وأنصتت السمع وركزت الانتباه، فلما فرغ اللون النيلي من توضيح فكرته استحسنوها ورحبوا بها.. بل أنهم لم يعترضوا على جزء منها إلا وأضافوا عليه بعضَ اللمساتِ عن طيبِ نفسٍ وبلا نزاع!
وعندما اتفق الجميع هتف اللون الأحمر بحماس: هيا يا رفاق فلنبدأ..
ثم بتر عبارته وعقد حاجبيه كأنما تذكر شيئًا، ومع حركته تلك تنبهت كل الألوان.. هنالك شيء مهم ينقصها!!
تلفت اللون البرتقالي من حوله وقال بضيق: كيف نسينا ذلك؟ من أين لنا بورقةٍ نرسم عليها؟!
وجد الأصدقاء أنفسهم أمام عائقِ كبيرٍ فبدون الورقةِ لن يتمكنوا من الرسم.. لكن اللون الأخضر قال بتفاؤله المعتاد: لابد من وجود ورقة في مكان ما.. دعونا نبحث..!
وقبل أن يشرع الأصدقاء بالبحث عاجلهم صوت منبعث من فوق السرير معاتبًا: اختلفتم وتجادلتم وتناقشتم حتى اتفقتم، وتملك الحماس قلوبكم دون أن تمتلك أيديكم أدواتكم!.. ورغم أني أساس عملكم لم يدعني أحد للمشاركة والنقاش..!!
ومع آخر حروف الصوت طارت ورقة من فوق السرير لتستقر فيما بينهم، مما دفعهم للهتاف بصوت واحد: آسفون أيتها الصديقة، وشكراً على تعاونك معنا..
تبسمت لهم وقالت: أريد أن أعرف ما هي اللوحة التي سترسمون..؟
قال لها اللون الأزرق: لا.. فالإحساس باللوحة أجمل من النظر إليها أو تصورها... هيا اسمحي لنا بأن نبدأ..
أجابته الورقة البيضاء بعد لحظة تفكير: معك حق.. هيا..
قفزت الألوان فوق الورقة وشرع كل واحد برسم دوره، رسمت الألوان لوحةً للطفلةِ صاحبةِ الغرفة حتى تظل ذكرى جميلة عندها..عينان خضراوان واسعتان وشعر أصفر منسدل على أكتافها،تزينه شريطة برتقالية اللون، ترتدي فستاناً بين البنفسجي والنيلي..تجلس على أريكة زرقاء وتمسك بين كفيها دفترًا أحمر اللون..
كانت لوحةً متقنةً تغمرها لمساتُ السعادةِ والمحبة.. وتفيض بالبهجة والفرح.. لوحة رسمتها ألوان الطيف السبعة عندما أدركت أن التعاون يثمر كل شيء جميل!...

ليست هناك تعليقات: