الاثنين، 5 ديسمبر 2011

صديقي عمر

كنت أحاول أن أكتب في كل مرة قصة للطفل وعن الطفل..

بسم الله الرحمن الرحيم
" صديقي عمر"
كنتُ مستغرقاً في اللعب بالحاسوب عندما سمعت أبي يناديني لصلاة العصر،تثاقلت قليلاً عن إجابته وتابعت اللعب بحماس متفاعلاً مع أحداث اللعبة ومخاطرها حتى أحسست بحركة مريبة من خلفي..!
كان أبي يقف عند باب الغرفة ونظرات عينيه تقول لي: إذا لم تقم الآن...
تبسمتُ بصعوبة وتوقفت عن اللعب بل أطفأت الحاسوب كله، وأنا أشعر بنظرات أبي تتابعني بصرامة دون أن ينبس ببنت شفة، حتى إذا ما انتهيت قال لي موبخًا: كم مرة يجب أن أناديك حتى تقوم من أمام هذا الحاسوب؟
لم أجب فقد كان مثل هذا الموقف يتكرر كل يوم تقريبًا، وأبي يتوعدني في كل مرة بأنه سيمنعني من مجرد لمس الحاسوب.. لكنه لا يفعل في النهاية!
كنت أذهب معه إلى المسجد عندما يكون في البيت، ورغم أنه يوصيني بالذهاب عندما لا يكون معنا إلا أنني في بعض الأحيان كنت أتكاسل عن الذهاب للصلاة في المسجد خاصة عندما يكون الجو شديد البرودة، حتى التقيتُ بعمر الذي انتقل وأسرته إلى حارتنا منذ أيام قليلة، كان يحب اللعب بالحاسوب مثلي تمامًا وقد أسعدني هذا، فصرت أتشوق للقائه والحديث معه عن آخر الألعاب بعد أداء الصلاة، وكان أبي يسمح لي بذلك خاصة أنه قد كون صداقة جيدًة مع والد عمر...
لم يكن عمر يدرس في المدرسة التي أدرس فيها، فما كنت أستطع لقائه إلا في المسجد... وبعد بضعة أيام صرت أبادله الزيارة وأحيانًا كثيرة كنا نقض وقتًا ممتعاً في اللعب معًا.. فإذا ما جاء وقت الصلاة سارع عمر بترك اللعب وحثني على الذهاب للمسجد بينما كنت أنا أطالبه ببضع دقائق نكمل فيها المرحلة التي وصلنا إليها في اللعبة، لكنه كان يقول لي باسمًا: اللعبة لن تذهب إلى أي مكان ..
كان المسجد بعيدًا عن منزلهم نوعًا ما، لكن والد عمر كان يستغل مسافة الطريق فيحكي لنا  حكاية ممتعةً أو حديثًا عن رسول الله أو أي شئ آخر.. كنت حقًا استمتع بحديثه وأتعلم منه.. في الواقع بدأت أشعر بالغيرة من عمر فوالدي لم يكن يفعل معي ما يفعله والد عمر معه!
بعد شهر من تعرفي على عمر، أخبرني بأن والده سيسافر لإكمال دراسته في الخارج..ولم تمض غير بضعة أيام حتى ودعنا والد عمر في المطار..
ــ ــ ـــ
" ماذا.. ألم يأت عمر اليوم أيضًا؟.."
ألقى أبي علي هذا السؤال حين رآني أتلفت حولي بعد صلاة العشاء بحثًا عن عمر، فهززت رأسي نافيًا وأجبته بحيرة: منذ أسبوع كامل لم يعد يأتي لأداء صلاة المغرب والعشاء معنا.. بل أنه لم يؤدِ صلاة العصر غير بضع مرات معنا، ثم يذهب سريعًا ولا يكاد يحدثني .."
تبسم والدي وسأني وهو ينظر إلي مباشرة: قلق عليه أم حزين لعدم اللعب معه..
فأجبته وأنا أحرك قدمي للأمام والخلف قبل أن أرفع ناظري إليه: الاثنان معًا..
قال أبي: إذن نذهب لزيارته..
فرحت بذلك كثيرًا وسابقتُ أبي في طريقنا لمنزل عمر الذي ما إن رآنا حتى فرح بشدة ورحب بنا كأنه رجل كبير.. وبعد حديث قصير بادره والدي سائلاً: لمَ لمْ تعد تأتي للصلاة معنا أيها الشبل الصغير؟
تفاجأ عمر بالسؤال، وأبعد ناظريه ولم يجب إلا بعد لحظات بصوت خافت قائلا: لا شئ.. في الواقع كنت أود المجئ لكن..
عاجلته أنا مستحثا إياه على البوح: لكن ماذا..
حرك يديه في الهواء بارتباك ثم قال بخجل: منزلنا بعيد عن المسجد .. وأنا أخاف الذهاب والعودة وحيدًا في الليل وأمي لا تتفرغ لتأخذني بالسيارة إليه..
اتسعت بسمة أبي وقال له بهدوء: لو قلت لي من قبل لجئت إليك بنفسي كل ليلة لنذهب معا..
ومنذ تلك اللحظة وأبي يستعد باكرًا للصلاة قبل الأذان حتى يستطيع الذهاب لاصطحاب صديقي عمر من بيته فالعودة للمسجد حتى نصلي جميعا فيه ثم يعيده مرة أخرى لمنزله.. شكرت أبي  كثيرًا لعنايته بصديقي.. هو أيضًا أب رائع.. وصرت أنا متعلقًا بالصلاة مثل صديقي عمر تمامًا!

ليست هناك تعليقات: