الاثنين، 5 ديسمبر 2011

مقالات حول تربية الطفل

مقالات كتبتها منذ مدة في مادة دراسية بقسم الإعلام..

إن كنت تحبه حقًا!
كم عدد الأطفال الذين تعرفهم يمتلكون هاتفًا جولا باهض الثمن؟
لا ريب إنك لن تستطيع إحصاءهم، بل قد يكون أبناؤك وإخوتك من أوائل المدرجين في هذه القائمة الطويلة جدًا، وستسارع في طرح المبررات التي دفعتك لشراء هاتف جوال لطفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، ولن يكون آخرها طبعًا (لكي لا يشعر بالإحراج أمام أقرانه الذين يمتلكون هواتفًا تحتوى على أحدث الخدمات والتقنيات)!
ويحق لي عندها أن أسألك عن الاستخدامات التي يمارسها طفلك مع هذا الجهاز المحفوف بالأخطار؟ وعن مدى مراقبتك ومتابعتك له أثناء تعامله مع هاتفه؟ وعن مدى حاجته الفعلية له؟ وعما يمتلكه من مقاطع صوتية ومرئية في هاتفه ومدى مناسبتها لعمره؟ وعن.. وعن..
الكثير من الأسئلة التي قد تجدها بلا قيمة، وتجد أنها مجرد تكرار لأسلوب تربوي تقليدي لا يناسب عصر التطور والتحرر من الرقابة!
إن أغلب من أعرفهم لا يملكون سببًا مُلِحًا دفعهم لاقتناء هاتف جوال لكل طفل من أطفالهم، كل ما في الأمر أنهم استجابوا لرغبة ابنهم وإلحاحه الممزوج بالصراخ والتهديدات الجوفاء التي لم يحسنوا التعامل معها وإسكاتها إلا عن طريق الخضوع لها واقتناء هاتف لا يقل ثمنه عن مئة ريال عماني! وطبعًا هذا أيسر لهم من بذل جهد لاحتواء رغبات أطفالهم وتقنينها، فهم يمتلكون من المال ما يسمح لهم بشراء خمسة هواتف لأطفالهم، بينما لا يمتلكون مالًا يتبرعون به لبعض الجمعيات الخيرية، أو لجيرانهم الذين لا يكاد يملكون قوت يومهم!
وبعيدًا عن العبارة الأخيرة، أرى أن انتشار هذه الظاهرة يعود لمقدار الوعي التربوي لدى الوالدين، فلو كانا يسلمان هاتفًا لطفلهما خوفًا عليه من شعور يدعى الخجل والإحراج من رفيقه الذي أغدق عليه والداه كل سبل الرفاهية، فحري بهما أن يشعرا بالخوف على ما يسببه هذا الهاتف من مضار على طفلهما، فقد حذر الخبراء من خطورة استخدام الأطفال للهاتف الجوال، وأوصوا بعدم ترك الجوال في يد الأطفال صغار السن كأداة للعب لأن خلايا المخ في هذا السن تنمو بسرعة ، ويؤدي تعرضها للموجات الكهرومغناطيسية إلى الخطورة عليها، وأوضحوا أن الأطفال هم أكثر الفئات السنية التي تتأثر بسبب التعرض لموجات كهرومغناطيسية وخصوصاً في منطقة الرأس .
ويكفي معرفة أمر كهذا لإعادة النظر في تسليمك هاتفًا لطفل صغير لا لمجرد اللعب ولكن للاستخدام العام، فإن كان دافعك لاقتناء هاتف لابنك خوفًا عليه من سخرية أقرانه، فحري أن تخاف عليه من تأثيرات هاتفه عليه! إن كنت تحبه حقًا فبادر بأخذ الهاتف من بين يديه فور أن تفرغ من قراءة هذه الأسطر..


نجوم الغد
ماذا تريد أن تكون غدًا؟
عندما كان هذا السؤال يطرح على الأطفال قبل بضع سنين، كان جوابهم بحماس: طبيبًا، مهندسًا، معلمًا، طيارًا..واليوم إن سألتهم هذا السؤال فستصدم بإجابة شريحة واسعة منهم برغبته في أن يكون مثل الفنان الفلاني واللاعب الفلاني..
إن تحولا في فكر الطفل الغض بهذه الطريقة وخلال مدة وجيزة حقيقة، هو ناتج عن عوامل مختلفة لا ريب أن أهمها تأثره بالبيئة المحيطة من حوله، وبما تعرضه شاشات التلفاز من برامج ومقابلات مع هؤلاء المشاهير جعلت  صورتهم تترسخ في نفس الطفل وفكره على أنها الصورة الأبرز للشخص الناجح، والطريق الأفضل لكسب الشهرة والثراء!
وفي ظل زخم الحياة وتعدد متطلباتها وكثرة الإغراءات التي يرغب الطفل في اقتنائها دون أن يستطيع في أحيان كثير الظفر بها، لم يعد غريبًا أن يتجه فكره للبحث عن وسيلة تمكنه من الحصول على ما يريد، ولعل أقصر تلك الطرق ـ حسب ظنه ـ أن يغدو لاعب كرة قدم، أو فنانًا لا يسأم ترديد أغانيه على الملأ كانت جيدة أم سيئة..فهذه ليست من الطرق المتعبة والشاقة التي تحتاج لارتياد مقاعد الدراسة بشكل مفرط طوال العام!
وقد يظن بعضهم أنّا نبالغ، لكن أن تجد إعجابًا مفرطًا بنجوم الكرة والغناء لدى الأطفال، أمر يستدعي القلق، حتى ولو علل بعضهم الأمر على أنهم صغار وأن الأيام كفيلة بزيادة وعيهم ونضجهم وتقنين ميولهم ورسم مستقبلهم، فإن التفكير بهذه الصورة في حد ذاته له خطورته، فهل لنا أن نتصور السعي الدؤوب لدى الطفل لتحقيق ما يريد وهو بحسب ما تمليه عليه عواطفه وانفعالاته لا بحسب ما يحكم فيه عقله في تلك المرحلة.
كم عدد البرامج التي أخذت على عاتقها تنمية مواهب الطفل الغنائية والتي أضفت على أطفال كثر هذه السمة وأكسبتهم الشهرة المستحقة التي تليق بمواهبهم حسب زعمهم؟ مقارنة بعدد البرامج التي تساهم في تنوير فكر الطفل وتنشئة أجيال تساعد أمتها على النهوض والتقدم.
ما الذي يحتاجه المجتمع في غده المرتقب، نجوم غناء لا عدد لهم قد يتجاوزن نصف الشعب، أم نجوم أدب وعلم وأخلاق يساهمون في خدمة شعبهم ووطنهم؟

الأطفال وإعلانات الألعاب
لأسباب عديدة ومتنوعة يمكث أطفالنا ساعات طوال أمام شاشات التلفاز، يتابعون ما يعرض على قنواتهم المفضلة من مسلسلات كرتونية يتخللها إعلانات مغرية تمكث لمدة أطول من المسلسل نفسه! وهذه الإعلانات التي تستهدف الطفل تؤدي مهامها بسهولة ودقة، ففور انتهاء الإعلان سنجد الطفل متعلقًا بقدمي والديه مطلبًا إياهم بشراء اللعبة الفلانية والذهاب للمحل الفلاني المليء بصنوف الألعاب المختلفة.
وما بين تلبية النداء الطفولي ورفضه تكمن أزمة هذه الإعلانات وتأثيراتها السلبية على الطفل، فهذه القنوات التي تزعم أنها تسعى لتعليم الطفل وتنمية ثقافته وفكره، تساهم بشدة في تدهور التنشئة السليمة لديه، من خلال طبيعة المسلسلات التجارية التي تعرضها، والتي تستغل الشركات المنتجة شخصيات أبطالها فتحيك حولهم القصص وتصنع ألعابًا مشابهة لهم وتضفى عليها كل سمات الإغراء التي تجذب الطفل إليها.
لا يكاد يمر أسبوع دون أن تنزل إلى السوق لعبة جديدة جاءت فكرتها من مسلسل كرتوني، كألعاب (البي بليد) و( اليويو) و(بيت همتاروا وأصدقائه) .. إلى نهاية القائمة الطويلة والمتجددة، مما يحتم على ربِّ الأسرة وضع ميزانية خاصة لمثل هذه الألعاب التي تفوق جاذبيتها في أغلب الأحيان حزم الوالدين وطاقتهما المحدودة في السيطرة على الاندفاع الطفولي الجياش!
لماذا تملأ هذه الألعاب الأسواق، في حين لا نكاد نجد زاوية يعلن فيها عن لعبة تهتم بتنمية قدرات الطفل الفكرية أو ميوله العلمي، لماذا تختفي الألعاب كأدوات تعليم وترفيه في الوقت نفسه، بينما نجد المحلات زاخرة بالألعاب التي تقف عند حدود التسلية ، والتسلية لأيام معدودة فقط، فهي إما أن تفقد متعتها، وإما أن  تتحطم عند أي ارتطام بسيط .
إن الفرق بين ما يقدم للطفل من ألعاب تعليمية وألعاب تسلية فقط فرق كبير من نواحي عدة، فأغلب ما نشاهده من ألعاب تعليمة تناسب من هم دون سن الخامسة أو السادسة فقط، بينما لا نجد قنوات الأطفال  تعلن عن ألعاب تعليمية لمن هم فوق هذه السن، في حين تتكرر كثير من الإعلانات عن ألعاب ترفيهية لمختلف الأعمار وبعضها يمثل شخصيات تساهم في زرع العنف عند الطفل..فالطفل يحب تقليد الشخصية التي يحبها وإذا لم تكن هذه الشخصية المحبوبة سوى شخصية تجيد كل فنون القتال والقتل والعنف فماذا نتوقع من طفل صغير غير التقليد الأعمى لها، مما يؤثر في تعامله على الأطفال من حوله، فقد يسعى لتطبيق الحركات التي تعلمها من مشاهدته على إخوته ورفاقه مما قد يؤذيهم.
 ويمتد هذا التأثير من خلال ممارسة ألعاب الحاسوب و(البلاستيشن) المنتشرة في جميع بيوتنا، فأغلب الألعاب المطروحة في هذا الميدان لا تتعدى ألعاب المغامرة والقتال وسباق السيارات وما شابهها، ولا نكاد نجد ألعابًا تهتم بتنمية الجانب العلمي في فكر الطفل، وإن وجدنا فهي قليلة جدًا، وإن تسألنا عن سبب قلتها سنجده في قلة الإقبال عليها الذي يحتم على الشركات المنتجة التوجه لألعاب التسلية التي تجذب الطفل بشكل أكبر.
وعندما نبحث عن سرِّ توجه الطفل لتلك الألعاب فسنجد في تنشئة الطفل وتربيته بيت القصيد، فأغلب أولياء الأمور لا يعنون باقتناء ألعاب أطفالهم، بل قد يتجنبون شراء الألعاب التعليمية لارتفاع أسعارها! وهذه إشكالية أخرى فرخص الألعاب الترفيهية وجاذبيتها يساهم بقوة في دعم التوجه لها والابتعاد عما سواها!
كما نجد صنفًا من الألعاب الموجة للفتاة دون الفتى وبشكل مبالغ فيه يتجاوز في أحيان عديدة مناسبة اللعبة لعمر الطفل، فكثيرًا ما نرى إعلانات عن ألعاب فتيات تعنى بالمكياج وآخر صرعات اللباس والموضة مما يعزز هذه التوجهات لدى الفتاة ويصرفها عما هو أهم، فليس طموحًا يستدعي الفخر أن نجد الطفلة لا تتجاوز العاشرة من عمرها وكل همِّها أنها عندما تكبر ستفتتح صالون تجميل!
إن استهداف الطفل بمثل هذه المعروضات يحتم علينا توعية هذا الطفل بالحوار معه حول مدى حاجته للعبة التي يصر على الحصول عليها، ومدى استفادته منها قبل الاندفاع لشرائها، إرضاء له أو تخلصًا من إلحاحه المتواصل، فلو تم  توجيهه الطفل منذ البداية إلى انتقاء اللعبة المناسبة وفق حدود وضوابط لما وجدنا محلات اللعب زاخرة بأصوات البكاء المطالبة بشراء أكبر عدد من الألعاب!
بل لو عمل الوالدين على تنمية حس الابتكار والإبداع لدى الطفل لوجدناه يعمل مخيلته الغضة ليبتكر لنفسه ألعابه الخاصة التي تغنيه من عشرات الألعاب التي تحمل الفكرة نفسها في كل مرة. وهذا سيساعد الطفل مستقبلا في الغالب على كثير من الصعاب التي قد تواجهه في حياته الواقعية، لأنه سيستمد لعبته الخاصة مما حوله وسيضع أبطاله في مواقف هي أقرب إلى نفسه من تلك المواقف والأحداث التي يخترعها له كتّاب قد لا يبالون بحاجات الطفل ونفسيته.
لا ريب أنك أيها القارئ ما زلت تذكر العديد من الألعاب التي ابتكرتها مع إخوتك ورفاقك والتي قضيتم وقتًا طويلا في ممارستها ولعلها نتجت من شح الألعاب المتوافرة في الأسواق أو قلت ذات اليد، ولا ريب أنك تحمل ذكريات جميلة ومواقف متنوعة واكتسبت منها مهارات عديدة أفادتك في لحظة ما ووثقت علاقتك مع أصدقائك، في حين يحرم أطفالنا اليوم من كل هذه المتع والجمال، فأغلب ألعابهم تلزمهم البيت لساعات طويلة أمام شاشة الحاسوب، وتبعدهم عن الحركة والالتقاء  برفاقهم في ألعاب جماعية!
وليس ذلك فحسب فهذه الألعاب بما يحيطها من زخم إعلامي يجعل الطفل منجذبًا إليها تؤثر على العلاقات الاجتماعية بين الطفل وأسرته، فنجد أغلب الأطفال منشغلين معظم يومهم بألعابهم ولا يكادون يقضون وقتًا طويلا مع أهلهم مما سينعكس أثره على شخصية الطفل الذي كثيرًا ما نسمعه يردد أنه يشعر بالملل ولا يجد ما يقضي وقته فيه، مما يجعله يبحث عن مصادر مختلفة للتسلية تنتهي أغلبها عند رؤيته للعبة جديدة معروضة لن يستطيع مقاومة الرغبة في اقتنائها.
إن افتقاد الطفل للعناية من قبل والديه والتوجيه والتفاعل هو ما يساهم بشكل واسع في ما نراه من انجذاب مفرط في الحصول على كل لعبة جديدة تقع تحت ناظريه، فلو بذل الوالدان جهدًا في رسم توجهات طفلهم لساعد ذلك في تنشئة أجيال تساهم منذ نعومة أظافرها في الرقي بمجتمعها.
كما أن جزء كبير من المسؤولية تحمله تلك القنوات التي تساهم في نشر هذا النمط من الألعاب بصورة متكررة ترسخ في فكر الطفل جمالها وتقنعه بكونها أفضل الألعاب التي يجب أن يجربها، وكم يكون الأمر مؤسفًا عندما لا نجد ما يملأ حياة الطفل غير هذه الألعاب ولا يحرص والديه على إمداده بما ينمي مهاراته وقدراته الإبداعية والعلمية.
إن حل هذه الظاهرة موجود بين أيدينا في حال عزفت تلك القنوات عن تغيير منهجها، فما على أهل الطفل سوى توجيهه وابتكار بدائل تبعده ولو قليلا عن ممارسة تلك الألعاب بصورة مفرطة، ولا ريب أن خلق جو من الحوار مع الطفل سيأتي بثمار طيبة خاصة في ضوء انجذاب الطفل لكل ما يسترعي انتباهه وشغفه. بضع جلسات قد تؤدي الغرض المطلوب لحل جزء من هذه الإشكالية.

ليست هناك تعليقات: