السبت، 14 أبريل 2012

غضب اللون الأسود

"غضب اللون الأسود"

عندما دخل وليد غرفته وجد ألوانه غاضبة ومنزعجة تتذمر وتتجادل فيما بينها! دنا منها وسألها: ماذا حدث؟ لماذا أصواتكم عالية هكذا؟
هتف اللون الأزرق بضيق: إنه اللون الأسود مرة أخرى يا وليد..
وقال اللون الأحمر مشيرا للوحة التي كانوا يرسمونها معا: أنظر.. أنظر إلى لوحتنا.. لقد أفسدها تماما، لطخها بلونه الأسود.. آه منه.. كم هو مزعج..
وتمتم اللون الأصفر بخفوت وحزن: كانت رسمتنا جميلة جدا، مفعمة بألوان الطبيعة والحياة.. كنا نرسمها لأجلك يا وليد..
عقد وليد حاجبيه وقال: وأين هو الآن هذا اللون الأسود؟ تصرفاته تجاوزت المعقول فعلا، كيف يتعامل هكذا مع أصدقاءه؟.. أيها اللون الأسود تعال إلى هنا..
أطل اللون الأسود من خلف مجموعة كتب وضعت على الطاولة، وقال بعناد: يستحقون ما جرى للوحتهم.. دائما لا يدعونني لأرسم معهم!!
هتف وليد بغضب: تصرفاتك غير المسئولة هي ما تدفعهم للابتعاد عنك، تعال هنا واعتذر لهم..
قفز اللون الأسود من مكانه صارخا: لن أفعل.. لن أعتذر أبدا..
واندفع يرسم خطوطا سوداء في كل شيء يقابله، على الجدران، والأوراق والكتب، على رفاقه الألوان وحتى صاحبه وليد، رسم على وجهه دوائر جعلت وجهه يبدو مضحكا، واستطاع أن يفلت من محاولات وليد للإمساك به، ولكن لم يستمر لهوه طويلا فقد تمكن منه وليد وأمسكه بكلتا يديه مهددا ومتوعدا إياه بعقاب قاس.. وخرج به من غرفته عازما على التخلص منه ورميه في سلة المهملات.. رأته أمه فسألته باستغراب: وليد لماذا تريد التخلص من لونك الأسود؟ أجابها باندفاع: أمي لم يبق شيئا في غرفتي إلا ولطخه وقلبه أسودا.. يفسد عمل فاقه ولوحاتهم.. أنظري غرفتي كيف استحالت.. بل أنظري وجهي!!
ضحكت الأم لمرأى وجهه وسألته: لكن لماذا يتصرف هكذا؟ تفاجأ وليد بالسؤال، هو فعلا لا يعرف السبب وراء تصرفات اللون الأسود.. نظر إليه وجده يبكي بصمت وهو يقول: تريد التخلص مني.. أنت مثلهم تماما، تراني لونا قاتما يوحي بالظلم .. أنت لا تحبني..
تعجب وليد وسأله: ماذا تعني بهذا أيها اللون الأسود؟
قال اللون الأسود بحزن: لا يسمحون لي بالرسم معهم.. قالوا أني لون كئيب، أوحي بالحزن والألم فقط، وهم ألوان بهية مفعمة بالحياة.. أصفر أحمر أزرق وردي أخضر برتقالي حتى اللون البني معهم يرسم جذوع الأشجار فيبدو معهم منسجما جميلا..سمعتهم يتهامسون بينهم بأني أرسم الليل وهم لا يحبون الظلمة ويخافون الوحدة، قلت لهم الليل سكون ونجوم، قالوا نحب النشاط واللهو والمرح وضوء الشمس المشرق..
تابع حديثه بانكسار: قلت لهم أرسم حيوانات جميلة، قطة سوداء، حصانا أدهم اللون، قالوا بسخرية القطط السوداء شريرة لا أحد يحبها تبدو كساحرة مفزعة، والحصان الأبيض أجمل وأبهى.. حصان الأحلام والأمراء.. أخذوا يرسمون لوحاتهم بأنفسهم ويتجاهلون إلحاحي ورغبتي بالمشاركة ويتعمدون رسم لوحات لا يمكن أن أظهر فيها، كثيرا ما سمعتهم يقولون أني لون الظلم والحزن والخوف.. لذا قررت أن أفسد عليهم سعادتهم بلوحاتهم مثلما أفسدوا حياتي معهم..
ثم انفجر يبكي بألم، فأخذ وليد يهدأ من روعه ويفكر بطريقة تجعل الألوان تدرك أهمية اللون الأسود، قال له برفق: أنت تدرك أنك لون جميل أيضا لك مجالك في اللوحات والرسوم، مثلا حقيبة مدرسي سوداء اللون وأنا أحبها بشدة..
صرخ اللون الأسود من بين دموعه: هذا لا يكفي.. سيسخرون مني مجددا.. ليس شيئا أتفرد به، يمكنهم تغير لونها لأي لون آخر..
تدارك وليد الأمر بسرعة وقال: حسنا.. لا تحزن.. أنظر إلى كتبي كلها كتبت بخط أسود واضح لا يؤذي عيني..
صرخ اللون الأسود مجددا: لاااااااا.. تلك كلمات وليست رسمات، الرسوم ملونة بكل الألوان إلا أنا..
حار وليد كيف يقنع اللون الأسود وبقية الألوان بقيمته وأهميته، في حين طفق اللون الأسود بالترجي قائلا: ارمني يا وليد.. ارمني في السلة تخلص مني.. فعلا أنا لون حزن وكآبة..آآآه هيء هيء..ارمني ارمني ارمنيييييي يا وليد ارمني..
لمعت فكرة في ذهن وليد وهتف: لا.. لن أفعل. وذهب به إلى بقية الألوان وقال لهم مقاطعا انشغالهم برسم لوحتهم الجديدة: أخبرني اللون الأسود بما جرى، أنتم من أسأتم إليه أولا..
استخفت الألوان باللون الأسود وعاودت اتهاماتها له بإصرار وعناد وتشابك أصوات مزعج جعل وليد يصرخ فيها بحزم: كفى.. كفى.. اللون الأسود مهم مثلكم تماما، بل هو عندي أهم منكم جميعا..
"ماذا؟؟" صرخت الألوان معا باستنكار، ونظر اللون الأسود لوليد بدهشة، أخذ وليد ورقة ورسم نفسه عليها، ثم طلب من الألوان أن تلونه كما هو، فعجزت الألوان عن ذلك إلا اللون الأسود الذي طار فرحا واندفع يلون شعر وليد وعينيه باللون الأسود بسعادة غامرة، قال وليد للألوان: اللون الأسود هويتي وعروبتي، فالعربي مشهور بسواد شعره وعينيه.. وهذا أنا..
ضحك اللون الأسود واستطرد وليد: أرجو ألا تزعجوه مرة أخرى، وارسموا معا لوحات جميلة، حتى الليل بظلمته جميل جدا بقمره ونجومه وتستطيعون إبداع لوحة رائعة معا..
ثم رفع إصبعه محذرا وهو يغادر الغرفة: لا تنسوا..هويتي وعروبتي..

ليست هناك تعليقات: