الأحد، 18 ديسمبر 2011

عيون مغمضة

(عيون مغمضة)
أخذت عيناه تراقب أطفال الحارة وهم يتقاذفون الكرة فيما بينهم، واعترته رغبة عارمة في  اللعب معهم، وللحظة كادت قدماه أن تستجيب لرغبته تلك لولا أن عينه وقعت على كيس صغير تعلق بيده  كان عليه أن يوصله إلى بيت الجيران.
أغمض عينيه بحزن استمر لدقائق، وانتابه شعور بالعجز تمنى لو يستطيع أن يكسره... وفجأة اندفع نحو الكرة بسرعة كبيرة واختطفها من بين أقدام اللاعبين الذين تفاجئوا بوجوده بينهم ، استطاع أن يتجاوز ثلاثة منهم بسهولة، فسرت روح التحدي فيهم واندفعوا يحاولون استرداد الكرة وصرخاتهم تعلو كل واحد منهم يطالب رفيقه بمنع وصول الكرة إلى المرمى، تكاتف الفريقان ضده وكان هو فريقًا لوحده..
المرمى قريب جدًا.. أحس بذلك رغم أنه صبّ تركيزه على الكرة التي تهافتت أقدام اللاعبين عليها في محاولة لظفر بها، وبحركة مهارة استطاع أن يفلت من مدافع خشن، ثم دفع الكرة  بخفة لتعبر من بين أقدام لاعب آخر، فقفز عاليًا ليتفادى زحلقة لاعب أوشك على أن يسلب منه بالكرة... تطاير الغبار من حوله لحظةَ لامست قدمه سطح الملعب.. هو الآن يرى المرمى بوضوح.. يحس بالآخرين من خلفه وقد اختنقت أنفاسهم دون أن يدركوه.. كم هو بارع! .. ارتفعت قدمه اليسرى بسرعة ونزلت بقوة.. تسديدة دقيقة  أذهلت حارس المرمى فلم يستطع  التحرك  لصدها.. شعر بنشوة عارمة وعيناه تراقب الكرة التي تاقت لمعانقة شباك المرمى.. سجل هد..
و..
تنبه من تخيلاته إثر نسيم بارد.. كان يقف على مبعدة من الملعب وفي يده ذلك الكيس الصغير، أدرك أنه لن يكون في يوم من الأيام لاعبّا بينهم.. أبعد ناظريه بصعوبة واستدار متجهًا نحو مقصده.. وصرخات أطفال الحارة الصاخبة تلاحق أحلامه الصغيرة التي حطمتها علّةٌ في قدمه اليسرى..
جر قدمه  محاولاً  السير بسرعة، رغب في العودة إلى البيت والاختباء بين أرجائه.. لماذا لا يستطيع أن يكون مثلهم؟
اختنقت العبرة في مقلتيه.. لن يبكي..لن...
مسح دمعته الحارة، وجرت في خياله صورة والده وهو يقدم له كرة جميلة ليلعب بها لوحده، كرة لا يشاركه فيها الآخرون.. ترى هل أحضرها والده اليوم؟؟ وعده بها منذ أكثر من أسبوع ولم ترها عينه بعد!
عاد من الطريق نفسها  يسحب قدمه ويحاول تجاهل صخب اللاعبين.. دخل منزله وقلبه يخفق بشدة، لا بد أن والده عاد.. لابد أنه أحضر الكرة..لكن لماذا يسود البيت صمت ثقيل؟..هل نسـ.. ..لا لا .. ربما أخفاها حتى يفاجئه بها..
بحثت عيناه في أرجاء بيتهم المتهالك.. أمه تقف في المطبخ الضيق ووالده يشاهد نشرة الأخبار .. إخوته متفرقون كل مستغرق في شغله.. دخل خلسة لغرفة أبيه.. لا شيء.. لغرف إخوته .. لا شيء.. لغرفة المعيشة لا شيء.. أين هي؟؟
دنا من والده واستغرق دقيقة كاملة ليستجمع كلماته.. سأله بخفوت ودقات قلبه تعلو: أبي هل أحضرت لي الكرة؟؟
عقد والده حاجبيه وضرب بيده على جبهته قبل أن يجيب: لقد نسيتها مرة أخرى..
أدرك أن والده  لن يشتريها له أبدًا.. هو فقط يراوغه حتى يسأم منها..  لماذا لا يهتم لأمره ؟
انسحب ودمعة تترقرق في عينه.. عاد  إلى الحارة وجعل يرمق أطفال الحي بحسرة قاتلة من خلف جدار كاد أن ينقض.. غرق في صمت طويل..
ثم أغمض عينيه.. ولاحت على شفتيه بسمة خفيفة، هاهو أمام المرمى يسدد كرة قوية بقدمه اليسرى..و..
هدف...

ليست هناك تعليقات: